01 أكتوبر 2022
لماذا نعادي "اختيار عشماوي"؟
حسنا فعلت قناة الجزيرة بحذفها المقال المنشور في موقع مدوناتها، والذي وصف ضابط الصاعقة المصري المنشق هشام عشماوي بالمقاوم، مسبغا عليه المدائح. قال الموقع إن القرار جاء لتعارض المادة مع سياسته للنشر، مؤكدا أن ما حدث كان "خطأ مهنيا فرديا، وسيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لمحاسبة المسؤول عنه".
ذلك الفعل هو المتوقع، ليس فقط لمخالفة المقال التامة لأدنى المعايير الصحافية المهنية، بل أيضاً بالنظر لحساسية الأمر، سواء على الصعيد الشعبي المصري أو على الصعيد العالمي، فعشماوي كان قائدا لتنظيم موالٍ لتنظيم القاعدة، وهذا اعتبارٌ يذكرنا بالواقعة القريبة بشأن حذف فيديو قصة الهولوكوست في "الجزيرة"، والذي استدعى اعتذارا وإجراءً مماثلاً ضد المسؤول.
ولكن يُحسب للمادة المحذوفة أنها كانت "نصف صريحة"، فالكاتب قال إن عشماوي حاول الاستقالة منذ العام 2010، نافيا كل الأكاذيب التي ردّدها سابقا صانع الفيديو عبد الله الشريف، مثل فصل عشماوي من الخدمة لمجرّد أنه كان يقرأ القرآن والأذكار. وللمفارقة، رد عليه بوقتها كل من محامي عشماوي خالد المصري، ومحامي زوجته نزار غراب.
ومؤسفٌ هنا أن كثيرين من الجمهور المعارض للنظام المصري، انطلاقا من قاعدة "شرعية محمد مرسي"، أيدوا عشماوي أو برّروا له، متأثرين بخيالاتهم الخاصة عن العنف كرد فعل. وعلى الرغم من وجود حديثٍ يطول حول نقد هذا الطرح، فإن عشماوي بعيد عن ذلك الجدل تماما، وهو الذي لم يذكر أبدا في كلماته ألفاظ "شرعية، انقلاب، مرسي"، بل خطابه هو خطاب السلفية الجهادية المعروف بأركانه الثلاث: تكفير الديمقراطية، ردّة الحاكم وجنوده (الجيش والشرطة)، الدعوة للجهاد العالمي.
على سبيل المثال، نشر عشماوي، في سبتمبر/ أيلول 2015، بوصفه "أبو عمر المهاجر"، تسجيله الصوتي الأطول "ولا تهنوا ولا تحزنوا"، مخصّصا الجزء الأكبر منه لنقاش نظري بحت عن الديمقراطية: "هل يعقل أن نجعل شرع الله معلقا على هوى الأغلبية من الناس؟ إن وافقوا أن يحكمنا شرع الله وافقناهم، وإن لم يوافقوا لم نعارضهم؟ .. فأي عبثٍ هذا؟".
وهي القضية نفسها التي شغلت حيزا بارزا من وصية الرائد وليد بدر، الانتحاري منفذ محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، في العام 2013. وللمفارقة، لم يفتتح وصيته بأنه يفعل ذلك ثأرا للمذبحة في ميدان رابعة، كما قال كاتب مقال الجزيرة، بل افتتحها بنقد حاد للإخوان المسلمين لقبولهم الديمقراطية. وبعدها انتقل إلى التنظير لاعتبار أفراد الجيش والشرطة "طائفة ردّة ممتنعة بالشوكة"، مستشهداً بحروب أبو بكر الصدّيق.
امتدح كاتب مقال الجزيرة حرص عشماوي على انتظار خلو شارع مقر المخابرات الحربية في الإسماعيلية قبل تفجيره. وبالفعل، هذا موقف تنظيم القاعدة في عدم تكفير العوام. لكن في المقابل، كان واردا أن يقتل التفجير نفسه عامل نظافة أو موظفا مدنيا داخل المبنى، وهو ما يستحله تنظيم القاعدة بفتوى "التترس"، حيث سيبعث الضحايا "على نيّتهم".
ومن اللافت والمؤسي هنا أن كاتب مقال "الجزيرة" ذكر بشكل عابر أن عشماوي اعترف بمسؤوليته عن هجوم الفرافرة الإرهابي في يوليو/ تموز 2014، كأنه من الطبيعي بالنسبة له أن يُقتل 22 ضابطا وجنديا من دون ذنب (استشهد في هذا الهجوم طبيب مجند كان أحد زملاء دفعتي في الجامعة). بالتأكيد كان بريئاً لا "طاغوتا"!
ببساطة ووضوح، نعارض دول الاستبداد العربي، لأننا نحلم بدول مدنية ديمقراطية، فمن السفاهة اتخاذ أي تقاطع مع من سيفرضون دولة دينية استبدادية بالنار والدم. نسعى إلى نيل دعم شعوبنا، لا معاداتها أو تحريرها رغما عن أنفها.
واليوم، بعدما شهدنا ثمن سياسة "عدو عدوي صديقي" في تدمير سورية والعراق واليمن وليبيا، ثبت بالتجربة، فضلا عن المنطق، أن عدو عدوك قد يكون الأكثر عداءً لك من عدوك الأول، كما ثبت أن الأدوات السلمية ذات مخاطر أقل على الأوطان وأهلها، سواء في نجاحها أو فشلها.
وبالعودة إلى مثال "الجزيرة"، فإن على المنصّات الإعلامية التي توفر مساحة لمعارضي الأنظمة الاستبدادية مسؤولية أكبر في توخي كل الحذر في معالجة القضايا ذات الحساسية، أولاً بموجب مسؤوليتها المهنية، وثانياً لعدم استغلال أخطائها بما يضرّ مصداقيتها أبلغ الضرر. "الاختيار" ليس بين اثنين.
ولكن يُحسب للمادة المحذوفة أنها كانت "نصف صريحة"، فالكاتب قال إن عشماوي حاول الاستقالة منذ العام 2010، نافيا كل الأكاذيب التي ردّدها سابقا صانع الفيديو عبد الله الشريف، مثل فصل عشماوي من الخدمة لمجرّد أنه كان يقرأ القرآن والأذكار. وللمفارقة، رد عليه بوقتها كل من محامي عشماوي خالد المصري، ومحامي زوجته نزار غراب.
ومؤسفٌ هنا أن كثيرين من الجمهور المعارض للنظام المصري، انطلاقا من قاعدة "شرعية محمد مرسي"، أيدوا عشماوي أو برّروا له، متأثرين بخيالاتهم الخاصة عن العنف كرد فعل. وعلى الرغم من وجود حديثٍ يطول حول نقد هذا الطرح، فإن عشماوي بعيد عن ذلك الجدل تماما، وهو الذي لم يذكر أبدا في كلماته ألفاظ "شرعية، انقلاب، مرسي"، بل خطابه هو خطاب السلفية الجهادية المعروف بأركانه الثلاث: تكفير الديمقراطية، ردّة الحاكم وجنوده (الجيش والشرطة)، الدعوة للجهاد العالمي.
على سبيل المثال، نشر عشماوي، في سبتمبر/ أيلول 2015، بوصفه "أبو عمر المهاجر"، تسجيله الصوتي الأطول "ولا تهنوا ولا تحزنوا"، مخصّصا الجزء الأكبر منه لنقاش نظري بحت عن الديمقراطية: "هل يعقل أن نجعل شرع الله معلقا على هوى الأغلبية من الناس؟ إن وافقوا أن يحكمنا شرع الله وافقناهم، وإن لم يوافقوا لم نعارضهم؟ .. فأي عبثٍ هذا؟".
وهي القضية نفسها التي شغلت حيزا بارزا من وصية الرائد وليد بدر، الانتحاري منفذ محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، في العام 2013. وللمفارقة، لم يفتتح وصيته بأنه يفعل ذلك ثأرا للمذبحة في ميدان رابعة، كما قال كاتب مقال الجزيرة، بل افتتحها بنقد حاد للإخوان المسلمين لقبولهم الديمقراطية. وبعدها انتقل إلى التنظير لاعتبار أفراد الجيش والشرطة "طائفة ردّة ممتنعة بالشوكة"، مستشهداً بحروب أبو بكر الصدّيق.
امتدح كاتب مقال الجزيرة حرص عشماوي على انتظار خلو شارع مقر المخابرات الحربية في الإسماعيلية قبل تفجيره. وبالفعل، هذا موقف تنظيم القاعدة في عدم تكفير العوام. لكن في المقابل، كان واردا أن يقتل التفجير نفسه عامل نظافة أو موظفا مدنيا داخل المبنى، وهو ما يستحله تنظيم القاعدة بفتوى "التترس"، حيث سيبعث الضحايا "على نيّتهم".
ومن اللافت والمؤسي هنا أن كاتب مقال "الجزيرة" ذكر بشكل عابر أن عشماوي اعترف بمسؤوليته عن هجوم الفرافرة الإرهابي في يوليو/ تموز 2014، كأنه من الطبيعي بالنسبة له أن يُقتل 22 ضابطا وجنديا من دون ذنب (استشهد في هذا الهجوم طبيب مجند كان أحد زملاء دفعتي في الجامعة). بالتأكيد كان بريئاً لا "طاغوتا"!
ببساطة ووضوح، نعارض دول الاستبداد العربي، لأننا نحلم بدول مدنية ديمقراطية، فمن السفاهة اتخاذ أي تقاطع مع من سيفرضون دولة دينية استبدادية بالنار والدم. نسعى إلى نيل دعم شعوبنا، لا معاداتها أو تحريرها رغما عن أنفها.
واليوم، بعدما شهدنا ثمن سياسة "عدو عدوي صديقي" في تدمير سورية والعراق واليمن وليبيا، ثبت بالتجربة، فضلا عن المنطق، أن عدو عدوك قد يكون الأكثر عداءً لك من عدوك الأول، كما ثبت أن الأدوات السلمية ذات مخاطر أقل على الأوطان وأهلها، سواء في نجاحها أو فشلها.
وبالعودة إلى مثال "الجزيرة"، فإن على المنصّات الإعلامية التي توفر مساحة لمعارضي الأنظمة الاستبدادية مسؤولية أكبر في توخي كل الحذر في معالجة القضايا ذات الحساسية، أولاً بموجب مسؤوليتها المهنية، وثانياً لعدم استغلال أخطائها بما يضرّ مصداقيتها أبلغ الضرر. "الاختيار" ليس بين اثنين.