لماذا... منظمات إنسانية في عالم إنساني!!

18 مارس 2018
+ الخط -
من اللافت والغريب نوعاً ما أن تكون ثمة منظمات إنسانية في عالم إنساني محكوم من قبل الإنسان، إذ إن المنطقي بالموضوع هو ألا يحتاج المجتمع الإنساني إلى منظمات سِمتها الرئيسية أنها إنسانية تُطالب بحقوق البشر، لأنه من المفترض أن تكون تلك الحقوق موجودة مسبقاً.

سريان الفكرة على اعتبارها تميزاً نوعياً، يطالب بحقوق المضطهدين والمقهورين في العالم ساهم في جعلها أيقونة وجبهة مدنية متحضرة لحماية حقوق الإنسان، من الرائع حقاً أن يكون ثمة من يدافع عن المحرومين، إذ يبدو أن المجتمعات الإنسانية باتت فعلاً بحاجة إلى مؤسسات أكثر إنسانية تذكر الناس بأنهم بشر لا يجوز لهم ارتكاب الفظائع بحق بعضهم.

إن العديد من المنظمات الإنسانية تقوم بعمل يستحق الاحترام دفاعاً عن الحقوق، وهذا ما يذكر بأن القيمة الإنسانية يجب أن تكون في موقع آخر، موقع أكثر نقاء وإبداعاً وفاعلية.


فكرة المنظمات والمؤسسات جاءت لتقول لا يحقّ للأنظمة الحاكمة والشركات الكبرى أن تفعل ما يحلو لها بالطبيعة والبيئة، لأنها تعتقد بأنها أقوى وأجدر من غيرها بالحياة، وبالتالي تستحق البقاء مهيمنة أكثر من وجهة نظرها.

البشر بارعون في التبرير، إذ كلما كان التبرير البشري أقوى وأكثر إقناعاً كان الفعل على الأرض أوسع وأشد فتكاً، ربما يقول البعض إن الحديث عن دور مؤسسات حقوق الإنسان مثالي وحالم ولا يتناسب مع الواقع المفرط في المادية، على اعتبار أن النظرية تختلف عن التطبيق، وأن الغلبة دائماً في صف الواقعية البراغماتية، ولكن الواقع يقول أيضاً إن الواقعية تعني أن نكون حالمين مؤمنين بأحلامنا ولا نتراجع عنها بحجة أننا نعيش في ظل واقع صعب بارع في تعزيز مشاعر القلق واللاجدوى.

الواقعية البراغماتية تسود عندما يكون ثمة خلل بالنضج والوعي في اللحظة التي يطمح الإنسان من خلالها إلى أن يكون شيئاً مهماً، ولا أقصد أن الواقعية لا تساوي شيئاً، ولكن لا يحق لها التعدّي على أحلام الآخرين وتصوّراتهم بسبب رغبتها في شرعنة واقعيتها، وبالتالي اتهام الغير بأنه هوائي وغير واقعي لأنه يسعى بصعوبة خلف آماله لا يصح، لأنه لا يوجد شيء غير واقعي في الطبيعة طالما نحن موجودون ونتنفّس.

الحقيقة الواقعية الوحيدة في الحياة هي أن الإنسان موجود بكل ما فيه من أحلام وتناقضات وممارسات، ورغماً عن كل النظريات والأفكار. والمؤسسات الحقوقية الإنسانية تمثل الأقلية التي تؤمن أن أحلامها ستغيّر مستقبل الكوكب.

لسنا هنا بصدد التمجيد بالمنظمات الحقوقية، إذ إن ثمة كثيراً منها لا يقوم بواجبه ويكتفي بالمظهر الشكلي الخارجي الذي يجلب السمعة من دون أدنى فاعلية على الأرض، ولكن إشكالية دور ووجود هذه المنظمات في ظل عالم يدعي التحضّر، بينما يعيش في فوضى منظمة لا نهاية لها... تثير الفضول حقاً.

وإذا أمعنا النظر من الناحية العملية عبر إحصائيات محددة، سنجد أن العديد من المؤسسات الحقوقية ساهمت فعلياً في خلخلة الرأي العام، للفت النظر نحو قضية معينة أو مسألة إنسانية شائكة.
دلالات
42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى