ومنذ بدء الصراع عمد النظام إلى تجاهل الريف، وتركيز قواته وتكثيفها في مراكز المدن، بهدف "إبقاء شرعية وجوده أمام المجتمع الدولي"، بالإضافة إلى كون المدينة مركزاً حيوياً وعقدة مواصلات وطريقاً ضامناً لخطوط الامداد. كذلك يحظى النظام بحاضنة شعبية في المدينة أكبر من الريف، بالاضافة إلى أن الحفاظ على المدن، قد يكون أسهل من الحفاظ على الريف بمساحاته الواسعة غير الاستراتيجية.
هذا في شكل عام، لكن لمدينة إدلب، ثاني كبرى مدن الشمال السوري بعد حلب، وضعاً خاصاً، كونها نقطة وصل بين حلب واللاذقية، وبين حلب وحمص. كما تفصل بين المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري داخل المحافظة، ككفرية والفوعة، القريتين المواليتين للنظام، وبين المسطومة وأريحا وجسر الشغور. ووفق خطط المعارضة السورية، فإن إدلب ستكون سبيلاً للدفع نحو عملية كبرى في الساحل السوري إذا أراد المعارضة.
وبخلاف مدينة الرقة، التي سيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) قبل عامين، والتي لم يكن لها أهمية تذكر بالنسبة له، لم يفقد النظام السوري أي مدينة تُذكر منذ ذلك الحين. حتى أنه اتّبع سياسة "الأرض المحروقة" حين حاول الثوار الدخول إلى مدينة حماه قبل أشهر، ودمّر البنى التحتية لمنعهم من التقدم باتجاه المطار العسكري وبعد ذلك نحو المدينة.
واللافت في الأمر، أن "جيش الفتح" هو من قرر بدء معركة السيطرة على مدينة إدلب، وهو من قرر إيقافها من أجل وضع خطط جديدة، وخلق تفاهمات أكبر بين المعارضة المتحدة، من أجل التنسيق وإكمال الهجوم. وتُعتبر ثكنة المسطومة مع معسكرها "الطلائع"، من أبرز الثكنات المتبقية للنظام السوري، ومن أكبر معسكراته. وتبلغ مساحة معسكر المسطومة "الطلائع" كيلومتراً مربعاً واحداً، ويحوي على أكثر من 30 دبابة ونحو 400 جندي، بالإضافة إلى عدد كبير من الرشاشات المتوسطة والثقيلة.
اقرأ أيضاً: خارطة المليشيات الأجنبية الموالية لنظام الأسد
أيضاً يُعدّ معسكر "القرميد"، الذي يبعد أقلّ من خمسة كيلومترات شرق المسطومة، أهم مربض مدفعية لقوات النظام السوري شمال البلاد. وهو نقطة انطلاق لقصف معظم قرى وبلدات ريف إدلب، بقطر 30 كيلومتراً، ويتمتع بأهمية استراتيجية عالية.
ومن الأسباب التي تجعل تحرّك النظام خافتاً نحو مدينة إدلب، والذي شمل معظم الخارطة السورية، هو تعدد الجبهات التي فتحت ضده في وقت واحد، منذ قيادة السعودية تحالفاً لضرب معاقل الحوثيين في اليمن، كدرعا ممثلة بنصيب وبصرى الشام وداريا في ريف دمشق في مقام السيدة زينب، وأخيراً في حلب، ونسف ما تبقى من مبنى المخابرات الجوية. وأدّت كل تلك الهجمات إلى فتح جبهات عدة وتحوّل النظام من الهجوم إلى الدفاع.
وتسود حالة من الغضب والتخبّط لدى مؤيدي النظام، في ظل شعورهم باقتراب المعارك والخطر على أبواب قراهم، خصوصاً أن حماه تُعتبر أقرب محافظة إلى إدلب وتُشكّل خزاناً بشرياً موالياً للنظام. بالتالي جمّد النظام المعركة، وبخلاف قوافل إمداد تتألف من 10 سيارات محمّلة بالعتاد والجنود وست دبابات، وصلت إلى معسكر المسطومة عن طريق الغاب، لم يتمكن النظام من دعم خطوط إمداده لشن أي هجوم مضاد.
ويؤكد الناشط الميداني في حماه، سيف الدين، لـ"العربي الجديد"، أن "أرتالاً من شبيحة النظام وقواته، خرجت من حماه إلى مناطق إدلب سالكة طريق الغاب الشمالي، بعد أن تم حشدها وتجميعها في أكثر من نقطة في حماه وريفها".
ويشير في السياق، مدير "مركز حماه الإعلامي" يزن شهداوي، نقلاً عن مصادر ميدانية من داخل قرى النظام في ريف حماه، والتي سحب منها عدداً كبيراً من اللجان الشعبية والدفاع الوطني للقتال بإدلب، إلى أن "معظم من خرجوا للقتال بجانب النظام لاستعادة إدلب، كانوا يعيشون حالة من الخوف والتخبّط والاستياء من قيادات النظام، حتى أنّهم صرّحوا وبكل وضوح بأنهم لن يبقوا في مناطق الشمال السوري، ولن يقاتلوا أكثر من ستة أيام على الأكثر".
ويضيف شهداوي في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك مجموعات كثيرة من المليشيات المختلفة عادت إلى مراكزها ومقارها، في مناطق مصياف وقرى الغاب الموالية عموماً، رافضين القتال بجانب النظام وذلك بعد مشادّات وخلافات مع القادة الأمنيين. وقد وصل الأمر بحسب المصادر من داخل القرى إلى حدّ شتم النظام وبشار الأسد علناً وعلى الملأ، بسبب علمهم بأنهم يخوضون معركة خاسرة ويدفعون ثمنها وحدهم". ولفت إلى أن "أكثر من مئتي عنصر بعتادهم وآلياتهم، منهم من مليشيا صقور الصحراء، عادوا إلى مقارهم رافضين القتال إلى جانب النظام في صفوف الأسد، متذرعين بالعودة لحماية مناطقهم في ريف حماه الغربي".
أما رئيس تحرير صحيفة "حماه اليوم"، زيد العمر، فينبّه إلى أن "هذه المستجدات على صعيد الموالين للنظام السوري تثير جوّاً كبيراً من الفوضى والتخوين التي تعيشها القيادات الأمنية في حماه، ولا سيما أن قيادات النظام في العاصمة حمّلت العقيد سهيل الحسن، الملقب بالنمر، مسؤولية الفوضى الأمنية التي تعيشها مناطق النظام الموالية في حماه، كما حمّلته مسؤولية تقهقر الجبهات في إدلب أيضاً".
وأضاف العمر لـ"العربي الجديد"، أن "القيادات الأمنية في دمشق اتهمت قيادات حماه الأمنية، بأنها تركت جبهات القتال وضبط الأمور في ريف حماه، لتهتمّ بالنهب والسرقات وتجارة المازوت والمحروقات، لتصلهم مئات الآلاف من الليرات السورية أسبوعياً".
وكشف أن من تلك الأسماء التي وصلتها هذه التنبيهات والتهديدات من دمشق "صلاح العاصي وعلي الشلّي وحيدر السخنة وطلال الدقاق والمقدم حافظ سليمان، الذين يُعدّون من أبرز قيادات النظام الأمنية، التي يعتمد عليها النظام في حماه وريفها".
وعن جهة الأرتال التي وجهتها قوات النظام السوري لدعم عناصر في معسكر المسطومة، أكد قائد قطاع حماه في "فيلق الشام" المكنّى بأبي العبد الحموي، لـ"العربي الجديد"، أن "الثوار كانوا بالمرصاد في صدّ الأرتال التي وجهها النظام إلى إدلب منذ تحريرها وإلى اليوم، تحديداً تلك التي جاءت لمساندة النظام عن طريق اللاذقية إدلب. ويعتمد الثوار في قطع طرق أرتال النظام على ضرب طرق الإمداد، الواقعة على طرق الغاب بريف حماه".
وأضاف القيادي الميداني، أنهم "استطاعوا تسجيل مكالمات صوتية لجنود النظام، تتحدث عن حالتهم ومعنوياتهم، وبأنهم لن يشاركوا في معارك خاسرة ومميتة، كما أن النظام في مأزق كبير تجاه مدينة إدلب، لصعوبة تجنيد شبيحة وقوات جدد ليقاتلوا بجانبه، بعد الخسائر الكبيرة في قواته النظامية في إدلب وريفها".
اقرأ أيضاً: خسائر النظام في إدلب تتجاوز الزراعة والجغرافيا