في العدد الجديد من الملحق الأسبوعي لصحيفة "الإكسبرس" الفرنسيّة، (L'express) تُعالج مواده مسألة المهاجرين وكيفيّة التعاطي الرسمي والشعبي مع هذه القضية، في الوقت الذي ترحّب فيه بعض الدول الأوروبيّة كألمانيا باللاجئين على أراضيها، مقابل تمنّع بعضها الآخر كالمجر وبولندا عن استقبالهم. وتضمّن العدد تقارير أعدّها مراسلو الصحيفة في عدد من المدن الفرنسيّة والأوروبيّة عن حال اللاجئين، والخوف الذي تضمره شريحة كبيرة من فئات المجتمع الفرنسي، والأبعاد التي ستترتّب على المدى القريب والبعيد عن تلك الأزمة.
خوف الفرنسيين "الطبيعي"
في افتتاحية العدد، فصّل كريستوف باربيه الأسباب التي زرعت الخوف لدى الفرنسيين، واعتبرها طبيعيّة إذا ما أخذت في سياقها العام، شرط ألاّ تتحوّل إلى مسحة عنصرية تجعل من اللجوء شمّاعة تستغلّها أصوات متطرفة تسيء إلى مبادئ الجمهورية الخامسة. ثلاثة أسباب أساسية ذكرها باربيه هي: الأزمة الاقتصادية والأعباء التي ستنتج عن توافد مزيد من اللاجئين، وأزمة الهوية وصعوبة الحفاظ على خصوصية المجتمع الفرنسي، في ظل صعوبة اندماج اللاجئين، وأخيرًا نموذج الأسلمة الذي رأى فيه الكاتب موضوعا إشكاليًا. وختم مقاله "إنّ الدولة الفرنسية تخطئ كثيرًا، حين ترفض استقبال ناسًا عاديين مؤمنين بالله؛ لأنّها ستجلب إليها مزيدًا من المتطرفين الإسلاميين. علينا أن نسعى جديًا لفرنسة الإسلام كي نتجنّب أسلمة فرنسا؛ وهذا الشيء يتطلّب جهدًا كبيرًا".
ملف العدد الذي أشرف عليه كل من اليز كارين وايريك ماندوني، كانزا برايان وفانسان هوغو، عرض في البداية تقريرًا يظهر وضع اللجوء في فرنسا والمستويات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتتبّعها في رسوم بيانية ودائرية لتوزّع المهاجرين بين عامي 2008 و2014.
وتحت عنوان "أوهام وحقائق: ماذا تقول الأرقام؟"، كتبت اليز كارين عن مسألة الانفجار الديموغرافي وعلاقتها بغياب التربية (pédagogie) في ظلّ تجاذب الأقطاب السياسية بين ترحيب حذر لمناصري الرئيس الحالي فرنسوا هولاند والتفاف ذكي استوعب القضية، وسعى إلى تجنّب إطلاق المواقف التي قد تضعفه في السباق إلى الإليزيه كالرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.
وأعطت الصحافية مثالاً عن مدينة سانت-اتيان التي نجح فيها حزب الجبهة الوطنية المتطرف بالحصول على نسبة تقارب الـ18 في المائة، في حين حصد الجمهوريّون أغلبيّة الأصوات، ورحّب عمدة المدينة غاييل بيردريو (عن حزب الرئيس ساركوزي) باللاجئين قائلاً: "الأزمة التي عايشناها عقب المذابح الأرمنية والضائقة الاقتصادية الكبيرة في أوروبا بدايات القرن الماضي؛ والتي ترافقت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن مع تصاعد المتطرفين نعيشها اليوم. لاستقبال اللاجئين حفاظًا على إرث فرنسا الإنساني".
"الأعباء" الاقتصادية
أغنيس لوران في مادة حملت عنوان "أهلا... لكن بعيدًا" تحدّثت عن وضع خاص تعيشه بعض المدن الفرنسية كمدينتي روبيه وتوركوينغ في القسم الشمالي من شمال فرنسا بالقرب من الحدود البلجيكية. "في هذه المدينة التي تعاني من الفقر ومن الصعوبات الاقتصادية، أكثر من 95 ألفا يستفيد 30 في المائة منهم من مساعدة السكن، نجد أكثر من 80 جنسية، المدينة تنطوي على نفسها والسكان يرفضون توافد اللاجئين، لا لأنهم عنصريون إنما لعدم قدرتهم على تحمّل أعباء إضافية.
ويحسن المنتخبون عن هذه المدينة استغلال مطالب السكان، ويلعبون ورقة الشعبوية لامتصاص غضب لا يلبث أن يهدأ ليعود مع كل جولة انتخابية بلدية". في مدينة توركوينغ المجاورة يقول المساعد الأول لرئيس البلدية "باسم ماذا، وعلى أي أساس يمكنني أن أمنح الأولوية للاجئين في قضية السكن؟". ثم يضيف "الناس هنا ممتعضون من عدم قدرتنا على تلبية احتياجاتهم الأولية، ويطالبوننا بمساعدة اللاجئين -في حال رغبنا- في بلدانهم لا في مدينتنا".
الإسلاموفوبيا حاضرة أيضاً
أما ايريك بيليتيه، في مادته "فرنسا... أرض عبور" شرح الأسباب التي تمنع فرنسا من أن تكون حاضنًا للاجئين وأرضًا يرغب المهاجرون في البقاء عليها، والسعي للعمل والاندماج مع مجتمعها. وقال "ألمانيا اقتصاديًا أحسن من فرنسا، وهي تحتاج ليد عاملة... الحال هنا ليست مثاليّة وهذا ما يجعل من فرنسا ممرًا (ترانزيت) للاجئين هنا وهناك".
بدوره مارك ابستان، مراسل الصحيفة في وارسو، رصد غياب اللجوء عن الأراضي البولنديّة، وتحدّث عن النموذج البولندي بوصفه "نموذجًا حادًّا وقاسيًا" لا يقبل حكوميًا وشعبيًا باستقبال اللاجئين، في ظل موجة عنصريّة مبرمجة كان آخر تجليّاتها الملف الذي أعدّته صحيفة بولنديّة يمينيّة، حيث ظهرت على الصفحة الأولى للملف صورة سيدة مسلمة ترتدي البرقع، مكتوب تحتها إنها رئيسة البرلمان القادم؛ وهي تُحضّر "لجحيم بأوامر من برلين".
الهجرة كحق للإنسان
ختام الملف كان مع حوار أجراه جان- بيار ديميز مع مديرة الأبحاث المختصة بالهجرة في المركز الوطني للبحوث والدراسات كاترين ويتول دي ونديل، التي لخّصت الحالة التي تعيشها أوروبا بالقول: "قارة مقفلة على نفسها هي قارة قادمة على الموت". سألها محاورها عن المغزى من قولها إنّ حقّ الهجرة هو حقّ من حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين فأجابت: "العولمة تعني السيولة والحركة. كل شيء يتحرك اليوم، الأسواق، الأموال، العواصم، الثقافة. إذن علينا أن نقلب المعادلة اليوم. علينا بالتالي القول إنّ لكلّ إنسان الحق في الحركة في هذا العالم، كونه محور كل أنواع التدفّق التي تجتاز الحدود".
وعن فشل النظام الأوروبي في احتواء مشكلة المهاجرين ردّت "نظام الشينغن يُعتبر نجاحًا كبيرًا، الفشل هو في نظام الردع السلبي. إعلان الحرب ضد الهجرة هي فكرة خاطئة تمامًا ويجب نسيانها". ولدى سؤالها عن مدى صحّة الحديث الذي يقول إنّ تعميم فكرة الهجرة دفعت بتوافد اليد العاملة والأدمغة من دول الجنوب الفقير إلى الشمال الغني كان جوابها "دول الجنوب تعرف جيدًا أنّها غير قادرة حاضرًا على تأمين فرص عمل للجزء الغالب من المهاجرين. في المقابل هي تستفيد من الأموال المتدفقة من هؤلاء الذين يعملون برواتب مقبولة في دول أوروبية. المغرب والهند تنتهجان سياسة تبادل ذكية جدًا في هذا المجال".
اقرأ أيضاً: الإعلام الفرنسي والتخبط تجاه اللاجئين
خوف الفرنسيين "الطبيعي"
في افتتاحية العدد، فصّل كريستوف باربيه الأسباب التي زرعت الخوف لدى الفرنسيين، واعتبرها طبيعيّة إذا ما أخذت في سياقها العام، شرط ألاّ تتحوّل إلى مسحة عنصرية تجعل من اللجوء شمّاعة تستغلّها أصوات متطرفة تسيء إلى مبادئ الجمهورية الخامسة. ثلاثة أسباب أساسية ذكرها باربيه هي: الأزمة الاقتصادية والأعباء التي ستنتج عن توافد مزيد من اللاجئين، وأزمة الهوية وصعوبة الحفاظ على خصوصية المجتمع الفرنسي، في ظل صعوبة اندماج اللاجئين، وأخيرًا نموذج الأسلمة الذي رأى فيه الكاتب موضوعا إشكاليًا. وختم مقاله "إنّ الدولة الفرنسية تخطئ كثيرًا، حين ترفض استقبال ناسًا عاديين مؤمنين بالله؛ لأنّها ستجلب إليها مزيدًا من المتطرفين الإسلاميين. علينا أن نسعى جديًا لفرنسة الإسلام كي نتجنّب أسلمة فرنسا؛ وهذا الشيء يتطلّب جهدًا كبيرًا".
ملف العدد الذي أشرف عليه كل من اليز كارين وايريك ماندوني، كانزا برايان وفانسان هوغو، عرض في البداية تقريرًا يظهر وضع اللجوء في فرنسا والمستويات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتتبّعها في رسوم بيانية ودائرية لتوزّع المهاجرين بين عامي 2008 و2014.
وتحت عنوان "أوهام وحقائق: ماذا تقول الأرقام؟"، كتبت اليز كارين عن مسألة الانفجار الديموغرافي وعلاقتها بغياب التربية (pédagogie) في ظلّ تجاذب الأقطاب السياسية بين ترحيب حذر لمناصري الرئيس الحالي فرنسوا هولاند والتفاف ذكي استوعب القضية، وسعى إلى تجنّب إطلاق المواقف التي قد تضعفه في السباق إلى الإليزيه كالرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.
وأعطت الصحافية مثالاً عن مدينة سانت-اتيان التي نجح فيها حزب الجبهة الوطنية المتطرف بالحصول على نسبة تقارب الـ18 في المائة، في حين حصد الجمهوريّون أغلبيّة الأصوات، ورحّب عمدة المدينة غاييل بيردريو (عن حزب الرئيس ساركوزي) باللاجئين قائلاً: "الأزمة التي عايشناها عقب المذابح الأرمنية والضائقة الاقتصادية الكبيرة في أوروبا بدايات القرن الماضي؛ والتي ترافقت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن مع تصاعد المتطرفين نعيشها اليوم. لاستقبال اللاجئين حفاظًا على إرث فرنسا الإنساني".
"الأعباء" الاقتصادية
أغنيس لوران في مادة حملت عنوان "أهلا... لكن بعيدًا" تحدّثت عن وضع خاص تعيشه بعض المدن الفرنسية كمدينتي روبيه وتوركوينغ في القسم الشمالي من شمال فرنسا بالقرب من الحدود البلجيكية. "في هذه المدينة التي تعاني من الفقر ومن الصعوبات الاقتصادية، أكثر من 95 ألفا يستفيد 30 في المائة منهم من مساعدة السكن، نجد أكثر من 80 جنسية، المدينة تنطوي على نفسها والسكان يرفضون توافد اللاجئين، لا لأنهم عنصريون إنما لعدم قدرتهم على تحمّل أعباء إضافية.
ويحسن المنتخبون عن هذه المدينة استغلال مطالب السكان، ويلعبون ورقة الشعبوية لامتصاص غضب لا يلبث أن يهدأ ليعود مع كل جولة انتخابية بلدية". في مدينة توركوينغ المجاورة يقول المساعد الأول لرئيس البلدية "باسم ماذا، وعلى أي أساس يمكنني أن أمنح الأولوية للاجئين في قضية السكن؟". ثم يضيف "الناس هنا ممتعضون من عدم قدرتنا على تلبية احتياجاتهم الأولية، ويطالبوننا بمساعدة اللاجئين -في حال رغبنا- في بلدانهم لا في مدينتنا".
الإسلاموفوبيا حاضرة أيضاً
أما ايريك بيليتيه، في مادته "فرنسا... أرض عبور" شرح الأسباب التي تمنع فرنسا من أن تكون حاضنًا للاجئين وأرضًا يرغب المهاجرون في البقاء عليها، والسعي للعمل والاندماج مع مجتمعها. وقال "ألمانيا اقتصاديًا أحسن من فرنسا، وهي تحتاج ليد عاملة... الحال هنا ليست مثاليّة وهذا ما يجعل من فرنسا ممرًا (ترانزيت) للاجئين هنا وهناك".
بدوره مارك ابستان، مراسل الصحيفة في وارسو، رصد غياب اللجوء عن الأراضي البولنديّة، وتحدّث عن النموذج البولندي بوصفه "نموذجًا حادًّا وقاسيًا" لا يقبل حكوميًا وشعبيًا باستقبال اللاجئين، في ظل موجة عنصريّة مبرمجة كان آخر تجليّاتها الملف الذي أعدّته صحيفة بولنديّة يمينيّة، حيث ظهرت على الصفحة الأولى للملف صورة سيدة مسلمة ترتدي البرقع، مكتوب تحتها إنها رئيسة البرلمان القادم؛ وهي تُحضّر "لجحيم بأوامر من برلين".
الهجرة كحق للإنسان
ختام الملف كان مع حوار أجراه جان- بيار ديميز مع مديرة الأبحاث المختصة بالهجرة في المركز الوطني للبحوث والدراسات كاترين ويتول دي ونديل، التي لخّصت الحالة التي تعيشها أوروبا بالقول: "قارة مقفلة على نفسها هي قارة قادمة على الموت". سألها محاورها عن المغزى من قولها إنّ حقّ الهجرة هو حقّ من حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين فأجابت: "العولمة تعني السيولة والحركة. كل شيء يتحرك اليوم، الأسواق، الأموال، العواصم، الثقافة. إذن علينا أن نقلب المعادلة اليوم. علينا بالتالي القول إنّ لكلّ إنسان الحق في الحركة في هذا العالم، كونه محور كل أنواع التدفّق التي تجتاز الحدود".
وعن فشل النظام الأوروبي في احتواء مشكلة المهاجرين ردّت "نظام الشينغن يُعتبر نجاحًا كبيرًا، الفشل هو في نظام الردع السلبي. إعلان الحرب ضد الهجرة هي فكرة خاطئة تمامًا ويجب نسيانها". ولدى سؤالها عن مدى صحّة الحديث الذي يقول إنّ تعميم فكرة الهجرة دفعت بتوافد اليد العاملة والأدمغة من دول الجنوب الفقير إلى الشمال الغني كان جوابها "دول الجنوب تعرف جيدًا أنّها غير قادرة حاضرًا على تأمين فرص عمل للجزء الغالب من المهاجرين. في المقابل هي تستفيد من الأموال المتدفقة من هؤلاء الذين يعملون برواتب مقبولة في دول أوروبية. المغرب والهند تنتهجان سياسة تبادل ذكية جدًا في هذا المجال".
اقرأ أيضاً: الإعلام الفرنسي والتخبط تجاه اللاجئين