لماذا على المواطن السوري أن يقلق في 2020؟

14 يناير 2020
+ الخط -

 

عام 2019 كان صعباً للغاية على المواطن السوري بكل المقاييس، لم يكد ينتهي العام حتى فُرضت عقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة تحت عنوان "قيصر" ستطاول أي شخص ومؤسسة ودولة تساعد وتتعاون مع نظام الأسد ماليا وعسكريا أو تشارك في إعادة الإعمار، وكانت نهاية العام مثل بدايته، على وقع توسيع الاتحاد الأوروبي العقوبات الاقتصادية لتضم 11 شخصية من رجال أعمال سوريين وخمسة كيانات، فضلا عن العقوبات التي طاولت قطاع الطاقة لمنع الشركات من تزويد سورية بالمحروقات.

فيما خسرت الليرة السورية نحو 83% من قيمتها مع نهاية العام، لتنهي تداولاتها على سعر 915 ليرة، بعدما لامست مستوى 950 ليرة أمام الدولار، لتنعكس هذه الخسارة بدورها على الأسعار التي واصلت التحليق بدون رقابة من البنك المركزي ومؤسسات الدولة.

ومع بداية 2020، كسرَ سعر صرف الليرة ألف ليرة أمام الدولار، ما يفرض مزيدا من الارتفاع في الأسعار ومزيدا من الهبوط في قيمة الليرة، ولا تزال الكهرباء غير مستقرة، والحصول على أسطوانة الغاز أشبه بمغامرة، وسط قلة المعروض وارتفاع سعرها. لا شك أن العام الماضي شكل مرحلة مفصلية في تاريخ الاقتصاد السوري، إذ مهّد لأزمات قاسية ستكون الأيام والأسابيع اللاحقة كفيلة بعرضها.

استفحلت أزمة الوقود والغاز في شتاء عام 2019، وشتاء العام الحالي، مسببة ازدحاماً خانقاً على محطات الوقود، فمع حاجة سورية يومياً لـ100 ألف برميل من النفط الخام بالكاد توافر بين 20 إلى 24 ألف برميل يوميا، فيما توفر غاز بمقدار 250 ألف طن بينما الحاجة إلى مليون و200 ألف طن يومياً لسد الاحتياجات، وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر جرة الغاز إلى 8 آلاف ليرة أمام العجز الموجود في السوق.

استمرت الأزمة على مدار العام الماضي، مع انقطاع الخط الائتماني الإيراني الموقّع مع حكومة الأسد لتوريد النفط الخام من إيران إلى سورية، كما أعلنت شركة المحروقات التابعة لوزارة النفط، ومن ثم تحذير الولايات المتحدة في مارس/آذار 2019 لشركات شحن البترول البحرية من نقل شحنات إلى نظام الأسد في سورية، ونشرت قوائم بأسماء السفن التي عملت على ذلك منذ عام 2016، وهو ما أوقف توريد شحنات النفط من الشبكات الرسمية وغير الرسمية للنظام بعد ذكر ناقلات النفط بالاسم وخوفها من العقوبات.

فيما لم يكن بوسع حكومة عماد خميس سوى التصريح بأن الحكومة تعمل على تذليل الصعوبات وستبدأ الانفراجات خلال عشرة أيام، بحسب تصريح لوزارة النفط في 14 نيسان 2019.

انتهت العشرة أيام ولم تنته الأزمة، بل اشتدت أكثر مع مرور الوقت وفرض رقابة شديدة على البحار والمعابر المائية منعاً لوصول ناقلات النفط إلى سورية، ووصلت الأزمة إلى أشدها مع فرض قانون قيصر من الولايات المتحدة، الذي من شأنه أن يضيّق الخناق على الاقتصاد السوري، ومنع مساعدة النظام ماليا من قبل الأشخاص والمؤسسات والدول.

وأمام نفاد البنك المركزي من العملة الأجنبية وتوقّف خط الائتمان الإيراني ومراقبة الخطوط المالية من دول جوار سورية، ومنع وصول النظام إلى آبار النفط والغاز في شمال شرق سورية بعد إحكام السيطرة عليها من أميركا، لن تكون حكومة الأسد قادرة على تأمين مواد المحروقات خلال عام 2020، وهو ما قاد إلى استمرار الازدحام على مراكز توزيع الغاز والمحروقات في الأيام الماضية.

وأمام إعادة الحكومة نفس الديباجة، بتحميل الأزمة للعقوبات الدولية و"المؤامرة الكونية"، وأنها ستنفرج خلال عشرة أيام، ليس بوسع المواطن سوى التأقلم والاعتماد على الأخشاب بدل وقود التدفئة وأي وسائل طاقة أخرى مثل موارد الطاقة المتجددة.

انتهى عام 2019 بخسارة الليرة نحو 83% من قيمتها مع ملامستها مستوى 950 ليرة للدولار، وكان إغلاق المصارف في لبنان الحدث الأبرز مؤخراً، والذي ساهم إلى جانب أسباب أخرى في صعود سعر الصرف من نحو 600 ليرة إلى مستويات 950، إذ أدى ذلك لمنع وصول النظام إلى حساباته المالية في المصارف اللبنانية، ودخول تجار لبنانيين على خط المضاربة لتأمين دولار من سورية بعد الأزمة في لبنان.

عودة المصارف في لبنان إلى العمل لم تؤد إلى عودة الليرة لمستوياتها السابقة، إذ كان بانتظار سورية قانون قيصر، المفروض من الولايات المتحدة، والذي يضيق الخناق على سورية ويعطي الأزمة الاقتصادية والمالية في سورية زخماً أكبر.

ولم تمض عشرة أيام من عام 2020 حتى اخترقت الليرة حاجز الألف، لتفتح سيناريوهات جديدة أمامها، وينحصر همّ المواطن الوحيد في لحاق الارتفاع العام في أسعار السلع والخدمات التي حاول النظام، خلال الأشهر الماضية، ردم الصدع الحاصل بين الأجور والأسعار، من خلال زيادة في الأجور بمقدار 20 ألف ليرة في تشرين الثاني 2019، ليبلغ متوسط الأجور نحو 55 ألف ليرة، وهو ما ساهم في ارتفاع الأسعار بنسبة 30%.

ومع تآكل القوة الشرائية لليرة وارتفاع المعدل العام للأسعار، ذهبت الزيادة أدراج الرياح كما كان متوقعا، إذ جاءت بدون أي قيمة إنتاجية أو دولارية أو انفراجة في الأزمة السياسية، وبالكاد تمكّن الـ20 ألف ليرة من شراء عشرة فراريج أو 2 كيلو لحم غنم أو بدلة رسمية.

ويكفي القول إن ثمن الشمعة اليوم بات يكلف 1500 ليرة، فيما كان ثمنها قبل 2010 نحو 4 ليرات، ومع ارتفاع ساعات تقنين الكهرباء خلال اليوم في مناطق مختلفة من دمشق، بات اعتماد كثير من العائلات على الشموع للإضاءة، بحيث تحتاج العائلة لشمعتين خلال اليوم؛ أي 3 آلاف ليرة، أي أن راتب الموظف البالغ 55 ألف ليرة بالكاد يكفي 36 شمعة.

وفاقت تكاليف معيشة الأسرة المكونة من خمسة أفراد 400 ألف ليرة تقديرياً، وبعد زيادة الحد الأدنى للأجور إلى 47 ألف ليرة من دون اقتطاعات، فإن الزيادة لا تغطي إلا 11% من تكاليف المعيشة. وتظهر الأرقام ضرورة مضاعفة متوسط الأجر 8 مرات لتغطية تكاليف المعيشة في عام 2020، بحسب مؤشر قاسيون.

ومع اختراق سعر الصرف حاجز الألف ليرة، وهو حاجز نفسي له حساسية كبيرة لعدة أسباب منها أنه يفتح المجال أمام مستويات سعرية أعلى من الناحية التقنية، وبالتالي المزيد من ضعف القوة الشرائية؛ يُثبت فشل البنك المركزي وسياساته في الدفاع عن الليرة، وهو ما يفقد ثقة المواطنين في مؤسسة غير قادرة على بسط نفوذها والتحكم بالعملة>

وبالتالي هروب التجار والصناعيين والمواطنين من تجميد المدخرات والأصول بالليرة، يزيد من الضبابية في الأسواق المحلية لغياب رؤية واضحة لحل الأزمة الاقتصادية والسياسية، وبالتالي يعطي ذريعة للتجار والصناعيين بإيقاف عمليات البيع والشراء، وهو ما قد يخفض من عرض المنتجات في الأسواق ويدفع الأسعار نحو الأعلى؛ أخيراً سيحمل مستوى ألف ليرة عواقب وخيمة على المعدل العام للأسعار قد يفتح المجال باتجاه مستويات التضخم الجامح، حيث يصل الارتفاع في الأسعار إلى أكثر من 50% شهرياً.

عام 2020 لن يكون أفضل من سابقه، فمع زيادة الكتلة النقدية في البلد لأكثر من 290% وهبوط الإنتاج بمعدل 60% ونفاد خزائن البنك المركزي من العملة الصعبة وعدم قدرة التجار والصناعيين على تحريك عجلة الإنتاج بسبب ظروف الحرب والعقوبات واشتداد الأزمة الاقتصادية على إيران ما يحيل لقلة المساعدات منها، من شأن كل ذلك أن يدخل الاقتصاد السوري في مخاض عسير، وأزمة سيكون لها أثر بالغ على المستوى الاجتماعي، سترفع من مستوى المواطنين الواقعين تحت خط الفقر لأكثر من 83%.

وبينما المواطن يتلقى الأزمات وبالكاد يحصّل لقمة العيش، لا يزال النظام يسوّق لمرحلة إعادة الإعمار ويستمر في سياساته العسكرية وتصلّبه حيال الحلول الدولية.

المساهمون