لماذا خذلتنا مصر؟!

28 يناير 2018
+ الخط -
لو تذكّرنا على عجالة الزخم الجماهيري منقطع النظير الذي كانت عليه ثورة 25 يناير 2011 التي شهدتها مصر والتي أطاحت نظام مبارك، وما تلاها من اعتصامات وحراك سياسي واقعي وملحوظ حتى أثناء فترة حكم المجلس العسكري وحتى نهاية حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، سنجد بطبيعة الحال أن هذا التاريخ هو يوم دفن المشروع الديمقراطي السياسي في مصر، وبالتالي المساس بعقلية الإبداع الثوري في بقية دول المنطقة العربية، لا سيما تلك التي ما زالت متأثرة عبر استمرارية مخاضها وعبثها العنيف بحالة الحراك الأول في دول كاليمن، وسورية، وليبيا، وتونس مؤخراً ومن جديد.

فثورة يناير التي لم تكن تحمل بذرة لثورة عربية وحسب وإنما كانت تحركاً شعبياً بأسلوب عالمي متحضر شديد الفاعلية، لكنها تحولت بسبب عدم صبر المجتمع المصري على محنته الاقتصادية - مع أنه عاشها لسنوات طويلة - وفشله في التصالح مع حلمه الثوري الواقعي، تحولت إلى أرضية بعث مهينة شديدة القسوة لشخصيات عسكرية تحكم من جديد، وذلك ابتداء من احتجاجات يونيو ضد الرئيس مرسي، ولأن الاحتجاجات كانت إفرازاً ديمقراطياً لطبيعة الثورة يكرس بدوره حالة الانتقال السياسي التي حصلت مع تنحي مبارك، كان من الطبيعي تناول احتجاجات يونيو من باب حسن نية وتفاؤل مجتمعي لحالة حراك فعال بالوقت ذاته، ولكن الذي حدث بعد ذلك بمعناه السياسي من التفاف وانتهازية واستبداد مع مجيء نظام السيسي، جعل العديد من المصريين وحتى العرب والأجانب الذين كانوا موجودين في مصر يومها، وأنا واحد منهم، جعلهم يترحّمون ليس على أيام الرئيس الشرعي محمد مرسي فحسب وإنما على أيام حسني مبارك في بعض الأوقات!


حسب اعتقادي، فإن طريقة خلع الرئيس المنتخب بتلك الشاكلة تعبّر عن طريقة مهينة لجماهير الثورة التي انتخبت رئيسها قبل أن تكون مهينة لشخص الرئيس نفسه فتخلت عنه عبر انقلاب مشؤوم، وبالتالي كان التحول الذي جرى يمهد لأمرين، أولهما أن كل قيمة سياسية إنسانية قامت من أجلها ثورة يناير باتت لا قيمة لها، في ظل عودة غير مسبوقة واستثنائية للحكم العسكري الاستبدادي بشكله الأكثر سوءاً بالنسبة للمواطنين المصريين الذين تقع عليهم المسؤولية كاملة في هذه الجزئية، وذلك بتخليهم عن الرئيس الشرعي للبلاد وعن الحياة السياسية الديمقراطية الوليدة.

ثاني الأمرين هو حالة القبول الأوتوماتيكي على المستوى الشعبي لشخصيات عسكرية باتت تتقبلها ذهنية الوهم الأمني لدى فئات عديدة من المجتمع، إذ لا يجد المتتبع للشأن المصري أي مبرر منطقي للذي جرى بالتزامن مع تدهور كبير وغير مسبوق للوضع الاقتصادي عكسه واقع تدهور العملة في مصر، وكذلك من الناحية الأمنية مع تفاقم حالة التفجيرات، خاصة تلك التي تستهدف الكنائس!

تساقط دراماتيكي لمرشّحي الرئاسة
السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الشريحة التي تجد مصلحتها الفعليّة في بقاء عبد الفتاح السيسي لولاية ثانية، رفقة هذا التدهور الجماعي (الأمني - الاقتصادي - السياسي)؟، لماذا يسخر الإعلام المصري نفسه لهذا الغرض؟!، ثم أين مئات الآلاف من جماهير يناير؟!.

لا شك في أن ثمة حالة من الذعر الأمني تسود الشارع المصري، لا سيما أن ثمة تقارير تلفزيونية سابقة زمن الإرهاص الأخير لحرية التعبير أفادت بأن المصريين لن ينتخبوا السيسي رئيساً لهم إذا ما بقي الوضع الاقتصادي المتردي كما هو عليه مع انقضاء السنة الأولى للرئيس على رأس السلطة، فكيف سيكون الحال إذاً بعد أربع سنوات جمر عاشها غالبية الشعب؟

فالتساقط السريع والدراماتيكي لمرشحي الرئاسة يجعل الاعتقاد السائد هو أن النظام لن يكلف نفسه أن ينحو نفس المنحى الذي تلجأ إليه الأنظمة الديكتاتورية مع اقتراب انتخابات الرئاسة، وهو القبول بترشيح شكلي لبعض الشخصيات المعارضة لنظام الحكم، وذلك بعد انسحاب الحقوقي البارز خالد علي من الانتخابات، ولم تكتف السلطات بعدم قبول ترشيح الفريق السابق سامي عنان، أحد أعمدة المجلس العسكري إبان ثورة يناير، بل أمرت أيضاً باعتقاله بطريقة واضح أنها كيدية أكثر منها قانونية على خلفية مخالفات متعلقة بفترة خدمته بالجيش المصري، أما عن المرشحين المحتملين التقليديين قبل حكم السيسي، كالقومي حمدين صباحي، فقد باتوا يترحمّون على أيام التمرّد والصوت العالي.

مصر حالياً لم تعد تشبه قديمها أو جديدها أو ثورتها "الينايرية"، بل إنها كما تشير الوقائع تغرق في نوع مقيت من الارتجال السياسي والسلوكيات الأمنية الغريبة عن تقاليد دورها السياسي الذي كان بإيجابياته وسلبياته.
42BBA522-1BE8-4B0B-9E9A-074B55E2BCB4
معتز نادر

كاتب صحافي وشاعر.يقول: من المخزي أن ينسف طارئ نفسي أو عقلي معين كل ما أنجزته تجربة الذاكرة عبر سنواتها الطويلة.. إن هذا يؤدي إلى الحديث عن الموهبة الممزوجة بالصدق والنقاء، إذ برأيي ستكون أقصى ما يمكن أن يصل إليه المرء من كفاءة وروعة.وليس ثمة قضية أهم من مواجهة الإنسان لوحدته.. إن هذا العالم نهض على الأغلب من أشياء تافهة وغير ملفتة، وهذا ما يمنح الإغراء للبحث عن حياة نقية وأكثر نضارة.

مدونات أخرى