لماذا تدعم روسيا عبد الفتاح السيسي؟ (2)

18 يونيو 2014
رحّبت موسكو بدور الجيش وعاملت مرسي بفتور (GETTY)
+ الخط -
كان الوفد المصري، أثناء زيارة الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي، عندما كان لا يزال وزيراً للدفاع في فبراير/ شباط الماضي، إلى موسكو، قد عبّر عن أمله في أن يسمح التعاون مع روسيا الاتحادية، في المجال العسكري، بمواجهة "التهديدات الإرهابية" التي تصدر حالياً بشكل أساسي، بحسب قول المسؤولين المصريين، عن حركة "الإخوان المسلمين" التي باتت تعامل بعد الانقلاب، معاملة المنظمات الإرهابية في مصر.

وفي حين أن موسكو ترى أن تهديد "الإرهاب الإسلامي" الذي يستهدفها، يأتي من خاصرة القوقاز، حيث يدور كلام عن دور لشخصيات سعودية في التمويل، فإنها تتوافق، مواربةً، مع الرياض على أن نظام السيسي يواجه "الإرهاب" الذي تحتاج مواجهته إلى سلاح. وهنا يجري الحديث في وسائل الإعلام، عن صفقات يتم التباحث بشأن تفاصيلها لتزويد الجيش المصري بسلاح هدفه الأول سيكون تعزيز القدرة على مواجهة التحديات المستقبلية، وفي مقدمتها "الإرهاب". واللافت أن صفقات موسكو العسكرية مع القاهرة، تموّلها السعودية بالدرجة الأولى.

من زاوية حاجة مصر إلى السلاح، يقول رئيس معهد الدين والسياسة ألكسندر إغناتينكو في مقابلة مع صحيفة " فزغلاد"، إن "لدى مصر، من وجهة نظر القيادة الحالية للبلاد، عدداً كبيراً من التهديدات الخارجية، فلا ينبغي أن ننسى أن مصر تقع بجوار ليبيا، التي تعيش حالة قصوى من انعدام الاستقرار، ويمكن أن تكون مصدراً لمتاعب مختلفة".

ويضيف إغناتينكو إلى ذلك، العملية الجارية "لمكافحة الإرهاب" في شبه جزيرة سيناء، حيث يقوم الجيش المصري هناك بمحاربة المتشددين. ويختم الرجل مطالعته بالاشارة إلى "خطر الحدود الجنوبية لمصر، حيث تزداد علاقات القاهرة تعقيداً مع دول حوض النيل، مع قيام إثيوبيا ببناء سد النهضة الذي من شأنه أن يعيق جدياً إمداد مصر بالمياه، وسيترتب على السلطات المصرية حلّ هذه المشكلة بشكل من الأشكال، من دون استبعاد احتمال أن يكون هذا الحل عسكرياً".

حلم الاتحاد السوفييتي

نشرت صحف روسية عديدة، آراء لخبراء يرون في زيارة السيسي إلى موسكو، في فبراير/شباط الماضي، حدثاً ذا أهمية خاصة، على خلفية فترة التوقف الطويلة في التعاون الدفاعي المصري مع الولايات المتحدة، التي لم ترفع حتى اليوم الحظر عن تقديم المساعدة العسكرية السنوية للجيش المصري، بعد الإطاحة بمرسي.

وكان كل من وزيري الخارجية والدفاع الروسيين، سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، قد أجريا في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، محادثات وفق صيغة " 2+2" مع نظيريهما المصريين، نبيل فهمي وعبد الفتاح السيسي، تزامنت مع إعلان سعي القاهرة إلى "رفع العلاقات مع موسكو إلى المستوى الذي كان في زمن الاتحاد السوفييتي".

وفي السياق، تحدّث نيقولاي سوركوف، الأستاذ المساعد في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، لموقع "روسيا ما وراء العناوين"، عن "محاولة الطرفين إحياء العلاقات التقليدية القديمة التي كان فيها الاتحاد السوفييتي، بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، أكبر مورّد للأسلحة إلى هذا البلد". ويذكّر سوركوف بأن السعودية تُعَدّ أحد أكبر الممولين لمصر الحالية، بما في ذلك لصفقات السلاح الروسي التي يجري التباحث للتعاقد عليها. فهل استعادة الماضي تتم في صفقات السلاح فقط، أم أن روسيا بحاجة إلى توظيف سلاحها أيضاً، ودعمه بالأيديولوجيا المناسبة، بما في ذلك في مصر؟
 
مع أن وظائف السلاح انتقلت من مواجهة إسرائيل إلى مواجهة "الإرهاب"، فلا يُسقط سوركوف عنصر المواجهة مع إسرائيل من وظائف تسليح الجيش المصري، إنما يرفقه بأمن الخليج، فهو يقول إن مصر "تمتلك أكبر جيش في العالم العربي، يشكل عامل ردع لإسرائيل، وأحد الضمانات المهمة لأمن شبه الجزيرة العربية، وعلى وجه الخصوص، في مواجهة التهديد الإيراني".

ويتابع أنه "في ظل هذه الظروف، يغدو مفهوماً أن تقوم السعودية والإمارات بتمويل شراء مصر للسلاح". وبعيداً عن وظائف هذا السلاح، ومن وجهة نظر تقنية بحتة، تقول يلينا سوبونينا، مديرة مركز آسيا والشرق الأوسط التابع للمعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، في مقابلة لها مع "كوميرسانت إف إم"، إنّ "المصريين بحاجة ماسة للسلاح، لأن الجيش لم يقم بتحديث ترسانته منذ زمن طويل".

البحث عما يدعم حاجة مصر إلى السلاح، الروسي خصوصاً، يجري، كما هو واضح، في مناحٍ مختلفة، تصبّ جميعها في مجرى يخدم ضرورة التسلح، أي سوق السلاح. ولعل قول "اشترِ السلاح، ولا تقلق فسنجد لك أين تستخدمه" يصحّ في هذه الحالة.

ويتحدث الكاتب الصحافي إيغور روزين، في موقع "روسيا ما وراء العناوين"، عن أسباب أخرى وراء تقارب السلاح الروسي ــ المصري، وهو خفض المعونة العسكرية الأميركية السنوية للقاهرة بمعدل الربع، (قيمة المعونة حوالي 1.4 مليار دولار)، ويشير إلى التدريبات التكتيكية المشتركة التي تم الاتفاق عليها في القاهرة بين وزيري الدفاع الروسي والمصري، في مجال مكافحة الإرهاب والقرصنة وتعزيز التعاون في مجال القوات الجوية والقوات البحرية. ويرى أن هذه الاتفاقات جاءت في الوقت المناسب لمصر، خصوصاً في ضوء إلغاء الولايات المتحدة المناورات العسكرية المنتظمة "النجم الساطع"، كردّ فعل على الانقلاب العسكري في يوليو/تموز الماضي.

في مديح العسكر قبل الانقلاب وبعده

كان الجيش المصري قد امتُدح في روسيا على التزامه جانب الشعب في ثورته في فبراير/شباط 2011، وقوله الكلمة الفصل في تنحية حسني مبارك، وعدم تورطه في قمع المتظاهرين آنذاك، وها هو يُمتدح على تأدية وظيفة معاكسة اليوم.

وعن هذا الموضوع، تقول مارينا سابرونوفا، البروفيسورة في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، في مقابلة مع موقع "روسيا ما وراء العناوين"، إن "الجيش هو القوة الوحيدة المنظمة التي تحظى بثقة الشعب، وهو قادر على إدارة العملية السياسية في البلاد من جديد، والعمل على إجراءات لإرساء النظام". بينما يرى البروفيسور ألكسندر فافيلوف في أكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزراة الخارجية الروسية، أن مصر بعد تنحية الرئيس محمد مرسي، ستعيش فترة من حكم العسكر. ويقول لصحيفة "فزغلاد"، إن الجيش في تاريخ مصر الحديث، قام بدور حاسم في جميع الاضطرابات السياسية التي عصفت بالبلاد، "ولما كان الوضع في مصر قد عاد إلى حالة عدم الاستقرار، فمن الطبيعي أن يعلن الجيش أنه مع الشعب وأنه كان دائماً مع الشعب".

أما يفغيني ساتانوفسكي، رئيس معهد الشرق الأوسط، المعروف بمحاربته الكاتب الإسرائيلي، إسرائيل شامير على خلفية نقده للصهيونية والممارسات الإسرائيلية، فسبق له أن أعلن، على موجة "فيستي إف إم"، حتمية تدخل العسكر في مصر "لدرء خطر تفكك البلاد".
المساهمون