لماذا تتردد تركيا في المشاركة بالتحالف الدولي؟

إسطنبول

باسم دباغ

avata
باسم دباغ
13 سبتمبر 2014
144A1617-CA5F-4428-8A93-5698955E4699
+ الخط -

تنضوي تركيا، الدولة المسلمة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي، وحضرت قمته الأخيرة، التي سعت خلالها الإدارة الأميركية إلى بناء حلف ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). عادت تركيا، مرة أخرى، لتكون الدولة غير العربية الوحيدة في مؤتمر جدة إلى جانب الولايات المتحدة، لكنها كانت الدولة الوحيدة التي لم توقع على البيان الختامي للمؤتمر أول من أمس.

لم يكن أمراً مثيراً للدهشة ألّا توقع تركيا على البيان الختامي الذي أكدت فيه الدول العشر مع الولايات المتحدة أنها "تتشارك في الالتزام بالوقوف متحدة ضد الخطر الذي يمثله الارهاب (داعش) على المنطقة والعالم".
تبدو أنقرة، ومنذ قمة الأطلسي التي عقدت في ويلز في بريطانيا مترددة بالمشاركة في الحلف لأسباب كثيرة؛ أهمها الرهائن الأتراك الـ49 الذين يحتجزهم "داعش" ومخاوفها من أن تخدم عمليات الحلف أعداءها المباشرين مثل الحكومة المركزية في العراق والنظام السوري، يضاف إلى ذلك تغير العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية في الفترة الأخيرة.

لقد بنيت العلاقة بين واشنطن وأنقرة في جزء كبير منها على ظروف الحرب الباردة، وبسبب فارق القوة بين الطرفين لطالما تم دفع تركيا إلى اتخاذ مواقف في ما يخص السياسة الخارجية بما يتناسب مع مصالح أميركا على حساب مصالحها الخاصة. الأمر لم يعد ممكناً، فقد تحولت تركيا في العقد الأخير إلى قوة ناشئة على المستويين الإقليمي والعالمي، ولم تعد ترضى بأن يكون التعامل معها كدولة هامشية أو صغيرة أو تابعة.

ظهر هذا الموقف واضحاً في الأزمة التي اندلعت بين موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" والحكومة التركية إثر طلب الأخيرة من الموقع حذف بعض البيانات التي تعتبرها الحكومة تهديداً لأمنها ومصالحها القومية ليقابلها الموقع بالرفض. وخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حين كان رئيساً للوزراء، ليؤكد مراراً أن "هذه العقلية في التعامل مع تركيا يجب أن تتبدل، فلماذا يستجيب (تويتر) لكل طلبات الحذف من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ويرفض الاستجابة لطلبات الحذف المقدمة من قبل الحكومة التركية والمبنية على أساس أحكام قضائية تركية"، لتتفاقم الأزمة وتقوم الحكومة بحجب موقع "تويتر".
وعلى الرغم من أن التوافق العام بين أنقرة وواشنطن على الأهداف الاستراتيجية بين الطرفين، إلا أن فهم وتطبيق هذه الاستراتيجيات يبقى محل نقاش وخصوصاً في قضايا الشرق الأوسط، إذ خابت توقعات كل من الطرفين تجاه الآخر.

ففي اجتماعات قمة الأطلسي التي جمعت الرئيسين الأميركي والتركي، كان الخلاف واضحاً بعد ما يقارب الساعة من انتهاء اللقاء. وذلك أثناء مقابلة الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قناة "سي إن بي سي" الأميركية، إذ طرح مقدم البرنامج على أوباما سؤالاً، قائلاً إن "الولايات المتحدة تقدم الكثير من الدعم العسكري للمملكة العربية السعودية، ألم يحن الوقت لاستخدامه؟، كيف ترى الأمر؟". فأجاب أوباما "أعتقد أن هذا صحيح تماماً، نحن بحاجة إلى دول سنّية أن تقف معنا، ليس فقط السعودية، بل على شركائنا في الأردن والإمارات العربية المتحدة وتركيا أن ينخرطوا أيضاً، فالأمر يجري في منطقتهم، والخطر الذي يشكله الجهاديون عليهم أكبر بكثير من ذاك الذي يشكله علينا. إن جزءاً من هذا العمل يجب أن يكون عسكرياً والجزء الآخر هو تقوية العلاقة ودعم القيادات الشيعية في بغداد". وبذلك يكون جزء من الاستراتيجية تقوية القيادات الشيعية، الأمر الذي يراه الأتراك خطراً يوازي أو يكاد يفوق خطر "داعش" على مصالحهم القومية في المنطقة.

لم تدعم تركيا الثورة السورية وقوات المعارضة إلا أملاً في قلب نظام الحكم في سورية وتشكيل حكومة أكثر قرباً لها وأكثر بعداً عن إيران، إلا أن الأمر لم يمر كما أرادت أنقرة. فبعد أكثر من ثلاث سنوات على اندلاع الثورة السورية وعلى الرغم من احتضان تركيا للمعارضة السورية لا تزال الدول الإقليمية العربية تتنازع السيطرة على الائتلاف والمجلس الوطني المعارضين، وحتى كتائب المعارضة السورية لا تدين بولائها للحكومة التركية بقدر ولائها لذات الدول التي تتنازع النفوذ في المعارضة السياسية.

وتشير التسريبات إلى أن تركيا غير متعاونة مع التحالف الجديد إلى الدرجة التي رفضت فيها حتى تدريب كتائب معارضة سورية معتدلة على أراضيها لتحتل الفراغ الذي سيشكله انحسار "داعش"، الأمر الذي نفاه وزير الخارجية السعودية، الأمير سعود الفيصل، في المؤتمر الذي عقده مع وزير الخارجية الأميركي، جون كيري بعد قمة جدة أول من أمس.

لن تقبل تركيا الجديدة بدعم الحكومة المركزية في بغداد ولا النظام السوري، وأيضاً لا يبدو أنها ستقدم المزيد من الدعم للمعارضة السورية، وكأنها تعمل على سياسة خارجية جديدة، على الأقل على مستوى الشرق الأوسط، لم تتبلور ملامحها بعد لكنها بالتأكيد لا تعبأ بالمصالح الأميركية بقدر الرغبة في ضمان المصالح التركية فحسب.  

لكن من جهة أخرى، لا شك في أن أنقرة حليف مقرب من واشنطن بل يكاد يكون الحليف الأهم في المنطقة، فقد شاركت تركيا في قمة جدة وزار وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل أنقرة قبل أيام، فيما أجرى وكيري أمس الجمعة مباحثات مع قيادتها ضمن جولته في المنطقة، في محاولة لإقناع تركيا بلعب دور أكبر في التحالف وطمأنة أنقرة إلى أن مصالحها لن يصار إلى المساس بها.

لكن على الرغم من هذا لا تزال العلاقات التركية الأميركية متوترة لأسباب كثيرة، أهمها عدم استيعاب واشنطن أن أنقرة التي اعتادت عليها سابقاً لا تمت بصلة الآن لتركيا الجديدة والتي أصبح على واشنطن التعامل معها كما تتعامل مع حلفائها الأوروبيين التقليديين.

ذات صلة

الصورة
يهود إصلاحيّون يطالبون من أمام الكونغرس بوقف دعم إسرائيل عسكرياً (العربي الجديد)

سياسة

اجتمع الثلاثاء أكثر من 50 يهودياً إصلاحياً مع أعضاء الكونغرس في الكابيتول هيل، للضغط من أجل فرض حظر على تصدير الأسلحة للجيش الإسرائيلي، ووقف تمويل إسرائيل
الصورة
دبابة إسرائيلية تسير على طول الحدود مع قطاع غزة 7 أغسطس 2024 (أمير ليفي/Getty)

سياسة

قال مسؤلون أميركيون رفيعو المستوى في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع إنهم لا يتوقعون أن تصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس بايدن.
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
خالد شيخ محمد عقب القبض عليه في مارس 2003 (Getty)

سياسة

في صباح الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، كان خالد شيخ محمد يجلس في مقهى في كراتشي بدولة باكستان، عندما شاهد الطائرة الأولى تصطدم ببرج التجارة العالمي
المساهمون