تنشر مجلة "ذي أتلانتك" في عدد أبريل/ نيسان المقبل تحليلاً مطولاً عما سمته بـ "عقيدة أوباما"، استناداً إلى ما أوضحه أوباما للمجلة بنفسه خلال لقاءات أجرتها معه بمناسبة قرب رحيله عن البيت الأبيض.
ورغم أن العادة جرت في مثل هذه المقابلات أن يتذكر الزعيم أو القائد أصعب القرارات التي اتخذها خلال توليه مهام الرئاسة في بلده إلا أن تجربة الرئيس الأميركي باراك أوباما تبدو مختلفة طبقاً لما رواه بنفسه.
فإذا كان هناك ما يمكن أن يؤرق أوباما بعد رحيله عن الرئاسة فإن السبب سيكون على الأرجح قرارات لم يتخذها قبل أن تؤرقه القرارات التي اتخذها.
وحسب ما استنتجه الكاتب في مجلة "ذي أتلانتك" جيفري غولديبرغ من آخر لقاء له مع أوباما فإن تقاعس أوباما عن التدخل البري في سورية لإنقاذ الشعب السوري من طغيان الأسد سيظل مصدراً لألم تاريخي ربما يتجاوز الألم الذي سببه سلفه جورج بوش للأميركيين وللعالم بسبب إقدامه على التدخل في العراق.
وفي مطلع موضوع المجلة عن أوباما الذي تصدر غلافها رسم لأوباما مشابه للرسومات المعروفة عن عظماء التاريخ في بلدانهم وليس مجرد صورة لرئيس أوشكت ولايته على الانتهاء، تساءلت المجلة إن كان التاريخ سيتذكر أوباما كقائد عظيم أنقذ بلاده من فيتنام أخرى، بأن تحلى بالصبر واستطاع أن يحمي بلده من الولوج في وحل التورط في حرب برية مكلفة وغير مضمونة النتائج في الشرق الأوسط، أم سيتذكره التاريخ بذلك الرجل الذي أتاح للأسد ليس إذلال شعبه وبلده فقط بل كذلك إذلال الدولة العظمى الأولى في العالم بكسر خطوطها الحمراء وهي تقف متفرجة على أطفال ونساء ورجال أبرياء تسلخ جلودهم بالسلاح الكيماوي دون أن تحرك ساكناً.
ونظرا لأن أوباما لديه من الفطنة ما يكفي لأن يدرك أن التاريخ سيطرح التساؤل ذاته الذي طرحته عليه مجلة "الأتلانتك"، فقد دافع عن نفسه مسبقا، بإيضاح الأسباب التي جعلته يحجم عن التدخل في سورية بعد استخدام بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه مخترقا بذلك كل تحذيرات أوباما وخطوطه الحمراء.
وفقا للقواعد التي رسمها لنفسه أوباما منذ اعتلائه السلطة في فترة رئاسته الأولى فإن الأسباب المجلجلة التي يمكن أن تجبره على الزج بجيش بلاده في تدخل بري في سورية أو في غيرها من بلدان المنطقة هي محدودة جدا وكبيرة جدا تتمثل في أي تهديد خطير على وجود إسرائيل وسيكون من العار عليه ألا يدافع عن وجود إسرائيل، ويتصل بهذا التهديد أو لا يتصل به خطر حصول إيران على أسلحة نووية.
اقرأ أيضاً: المعادلة الأميركية الروسية الجديدة: الأسد باق.. وجوائز ترضية للحلفاء
وبما أن التهديد الذي يشكله بشار الأسد غير موجه من قريب أو بعيد ضد إسرائيل، وغير مرتبط بامتلاك أسلحة نووية، فإن ذلك لا يستدعي منه الامتناع عن التدخل في سورية بل وكذلك مقاومة كل الضغوط المنادية له بالتدخل.
ولكن باعتبار أن الأسلحة الكيماوية يجمعها مع السلاح النووي الانطواء في مجموعة أسلحة الدمار الشامل فقد أصدر أوباما في صيف 2012 تحذيرا للأسد رسم فيه خطا أحمر له سيؤدي إلى الإطاحة به إن هو استخدم السلاح الكيماوي.
هذا التحذير الذي يخالف عقيدة أوباما فوجئ به معظم المستشارين المقربين من أوباما، وأعرب بعضهم عن خشيته من عواقب عدم الإيفاء به على سمعة الولايات المتحدة وهيبتها في العالم، وفقا لما قالته مجلة "الأتلاتنك".
والغريب في الأمر أن أوباما وكذلك وزير خارجيته كيري كانا يدركان ذلك قبل أن يحرجهما الأسد في العام التالي بمخالفته لخطوطهما الحمراء، ويدركان أن مصداقية الولايات المتحدة ستصبح في الحضيض.
ولكن أوباما بعد تفكير صعب حسب ما يقول خلص إلى أن الدفاع عن الصدقية ليس مبررا كافيا لقصف الأسد بالقنابل والصواريخ، أي أن النقاش الذي دار في واشنطن وقتها لم يكن حسب ما كان يعتقد العالم أنه حول وجوب الدفاع عن شعب أعزل يقتل بالسلاح الكيماوي بل كان نقاشا حول وجوب الدفاع عن صدقية الولايات المتحدة وهيبتها.
ومن الأسباب التي أخافت أوباما من التدخل هو أن يخرج الأسد من بين الأنقاض منتصرا حسب تعبير مجلة "الأتلانتك"، أو أن تتحول سورية إلى فيتنام أخرى للولايات المتحدة. ولكن من أنقذ ماء وجه أوباما لاحقا هو الرجل القوي في موسكو الذي ترعب كلماته الأسد أكثر مما ترعبه صواريخ أوباما وقنابله العنقودية، وبسبب كلمات بوتين المرعبة للأسد سارع النظام السوري بتسليم ما تبقى من أسلحته الكيماوية، ولكن بعد أن أفقد أوباما جزءا أصيلا من هيبته، وأفقد سورية عددا كبيرا من أبنائها.
ولكن الأكثر غرابة في تجربة أوباما من كل هذا أن الرجل الذي تأثر أوباما به عند رسم ملامح عقيدته في السياسة الخارجية، لم يكن من المدرسة الليبرالية التي ينتمي إليها أوباما وتولي حقوق الإنسان أهمية قصوى بل هو ذاته الشخص الذي رسم عقيدة جورج بوش الأب وتأثر به بوش الابن، ويقول عنه أوباما بالحرف الواحد، "إنني أحب هذا الرجل حباً جماً" ويقصد بذلك برينت سكوكروفت؛ مستشار الأمن القومي للرؤساء الجمهوريين منذ عهد جيرالد فورد حتى عهد جورج بوش.
اقرأ أيضاً: أوباما فخور بعدم قصف الأسد وكيري ينفي "الخطة ب"