"أكل العيش مش بالسهل" بالنسبة إلى هؤلاء "الشقيانين"، لا سيّما في رمضان. بالرغم من التعب الذي يعانونه والجهد الشاق الذي يبذلونه في نهارات شهر رمضان خصوصاً مع أشعة الشمس الحارقة وطول ساعات الصيام، إلا أنهم يزاولون أعمالهم التي تتطلّب مجهوداً بدنياً كبيراً وكثيراً من الصبر والقدرة على التحمّل.
وهؤلاء هم عمّال بناء وفرّانون وعاملو نظافة وآخرون كثر، يرفضون رخصة الإفطار في رمضان ويحرصون على الالتزام بالصيام طوال ساعات النهار وتأدية أعمالهم المعتادة.
مصطفى خالد عامل بناء اعتاد الأعمال التي تتطلب جهداً بدنياً كبيراً، إذ ينقل الطوب والحصى ويحفر قواعد أسس الأبنية وغيرها من المهام. يقول: "أقوم بالأعمال نفسها وسط هذه الظروف والأجواء الصعبة، وأرفض الإفطار بالرغم من الحر الشديد وحتى لو شعرت ببعض الإعياء أو العطش". يضيف أن "ثمّة فرقا بالتأكيد ما بين العمل في شهر رمضان وبين غيره من أشهر العام. لكنني تعودت عليها ورفضت الاستجابة لفتاوى عدد من المشايخ والعلماء بالترخيص لنا بالإفطار بسبب عملنا الشاق. أما ذلك فطمعاً في الأجر والثواب كاملَين من الله الذي يعيننا. هو أعلم بحالنا وبعدم قدرتنا على التخلف عن العمل ولو ليوم واحد".
ويوضح خالد أن معاناته الدائمة - هو يعمل نحو 16 ساعة يومياً من دون إجازات - تنحصر في "تأمين فرصة العمل ومحاولة تفادي مخاطر المهنة. وطبيعة العمل شاقة جداً في مقابل أجر ضئيل ومن دون أي رعاية أو ضمانات صحية أو تأمين للمستقبل". ويلفت إلى "عدد من الوسائل المساعدة في استكمال الصيام وأداء الواجب، سواء بتقليل ساعات العمل أو بالتعاون في ما بيننا أو يإنجاز الأعمال الشاقة ليلاً". وهو ما يرفضه عدد من أصحاب العمل.
اقرأ أيضاً: القاهرة بلا "موائد الرحمن"
من جهته، يقف أحمد الصعيدي أمام وهج نار فرنه في غرب الإسكندرية. لم يمنعه الصيام وحرارة الصيف من مواصلة علمه بهذه المهنة، كما سواه من الفرّانين. يقول وجبينه يتصبب عرقاً، "أبدأ يومي بعد صلاة الفجر. لا يمكنني التأخر عن عملي أو الخلود إلى الراحة بالرغم من مشقة العمل". وإلى جانب كونه مصدر رزقه الوحيد الذي وصفه بأنه "عبادة مثل الصيام"، هو يلبّي به حاجة الناس في الحصول على خبز طازج يومياً ويتمنى من الله أن يؤجره على الإثنين معاً.
كذلك هي حال جمعة إبراهيم عامل النظافة في غرب المدينة، الذي لم تمنعه أشعة شمس الحارقة من أداء واجبه عبر المساهمة في نظافة الشوارع وجمع القمامة هو وزملاؤه الذين يخرجون في الصباح الباكر. يقول: "العمل في شهر رمضان هو الأكثر قسوة علينا، ليس فقط بسبب الصيام والحرّ وإنما بسبب الساعات الطويلة التي أقضيها يومياً في عملي بينما يتجاهل عدد كبير من أبناء الحي دوري في خدمة المجتمع. وذلك في مقابل راتب لا يكفي لتوفير ضروريات الحياة لي ولأسرتي المؤلفة من خمسة أفراد". يضيف: "يعني شقاء وهمّ وجوع وحرّ وفي النهاية من دون فائدة".
ويشير إبراهيم إلى أنه يعمل بهدفَين اثنَين، الأوّل أداء مهام وظيفته وتأمين لقمة عيشه، والثاني "ابتغاء مرضاة الله. ولا يزعجني شيء بقدر ما يزعجني التعامل مع المياه طول الوقت في أثناء صيامي".
ومن غرب الإسكندرية إلى شرقها، حيث تلفح الشمس المتوهجة رؤوس الفلاحين والمزارعين الذين لا يمنعهم الصيام والحرّ من استكمال أعمالهم في زراعة المحاصيل ومتابعتها في أراضيهم في قرى أبيس. يقول عبد العال أحمد وهو أحد المزارعين هناك، "لو تركنا زراعتنا بسبب الصيام والحرّ، سوف تموت ونحن لا تنقصنا الخسائر. يكفي ما تفعله الحكومة من رفع في أسعار البذور والمبيدات والسماد والبنزين والسولار، بالإضافة إلى السماح بالفوضى في سوق الخضرة". يضيف: "كُتب لنا الشقاء طول السنة، واعتدنا على أشعة الشمس. وما من فرق بين شهر رمضان وبين غيره من أشهر السنة".
إلى ذلك، يستطيع محمود فاروق وهو أحد عمال التراحيل والبنائين من "الفواعلية"، مواجهة الإرهاق والتعب بعدما اتفق وزملاؤه مع "المعلّم" على العمل في الليل بدلاً من النهار. ويؤكد أن "هذه الطريقة قد تفلح في بعض الأوقات لكن ليس دائماَ، إذ ثمّة أعمال يجب إنجازها من دون تأخير". يضيف أن "المعلمين لا يسمحون جميعهم بالعمل ليلاً، بالرغم من أنه أفضل لنا، إذ نستطيع إنجاز أكثر من دون أن نعاني من حرارة الجو وإرهاق الصيام. وتبقى المشكلة الرئيسية انزعاج الجيران من صخب الآلات وأصوات عمال البناء".
اقرأ أيضاً: زينة مصر تحت رحمة الأزمة الاقتصاديّة