تعلّم لغة أجنبية يبدو ضرورياً في البلدان العربية، لا سيّما بالنسبة إلى الذين يرغبون في الهجرة أو استكمال دروسهم بالخارج. شباب غزة يتوجّهون إلى اللغة التركيّة.
صارت التركيّة من اللغات الأجنبيّة الأكثر استقطاباً للطلاب في غزة، وتُعَدّ منافسة للغة الإنكليزية لجهة عدد المقبلين على تعلّمها. وتدرج مراكز تعليم اللغات اللغة التركيّة في سياق دوراتها الأساسية، في حين أنّها تلجأ إلى مدرّسين عاشوا في تركيا واختلطوا بالمجتمع التركي.
وتتجّه مؤسسات رسمية فلسطينية عدّة، لا سيّما وزارات وبلديات محلية، إلى إعداد دورات في اللغة التركيّة لموظفيها في ظل التشبيك بين المؤسسات المحلية الغزية ومؤسسات تركية إغاثية وغير ذلك. وتركيا تُعَدّ من بين أكثر الدول التي تدعم سكان قطاع غزة إنسانياً وكذلك في مجالَي التعليم والعمل، وتفتح الأبواب أمامهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وقلّة الفرص في مجتمعهم الذي يحاصره الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو 12 عاماً.
فاروق إسين، مدرّس تركي يقيم في غزة منذ ستّة أعوام، يدّرس اللغة لطلاب وأكاديميين، لا سيّما في مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر في الجامعة الإسلامية. هو يجد في غزة "أرضاً خصبة لتعليم اللغة التركية والإضاءة على الثقافة التركية في معاهد غزة وجامعاتها"، مع الإشارة إلى أنّه درّس المئات في خلال الأعوام الماضية. ويخبر "العربي الجديد" بأنّه لاحظ "زيادة كبيرة في الإقبال على تعلم اللغة منذ منتصف عام 2018 المنصرم"، لافتاً إلى أنّ "الغزيين يحبّون المجتمع التركي الذي يجدونه قريباً منهم".
ويوضح إسين أنّ "اللغة التركية تختلف عن سواها من اللغات في تركيب جملها، لذا تكون في البداية صعبة على الطلاب. لكنّ معرفة طلاب غزة للحروف اللاتينية وتشابهها مع الحروف التركية تسهّل تعلّمها، على الرغم من بعض الاختلافات في اللفظ وكذلك الإضافات على الحروف الموجودة في الأساس". وإسين يدرّس في الجامعة الإسلامية أربعة مستويات من اللغة التركية، مؤكداً أنّ "الغزيّين قادرون في خلال ستّة أشهر أو عام واحد على تحدّث التركية بطلاقة في حال تدرّبوا عليها"، لافتاً إلى أنّ "ثمّة مفردات تركية يستخدمونها في حياتهم اليومية".
من جهته، يتحدّث المهندس هيثم الهيثم، وهو مدير في مركز ريادة التعليمي للتدريب والتطوير، لـ"العربي الجديد"، عن الفارق الكبير ما بين عام 2017 وعام 2018 لجهة عدد الطلاب الراغبين في تعلم التركية في غزة، شارحاً أنّ "نسبة الطلاب المقبولين بلغت 200 في المائة بالمقارنة مع عامَي 2016 و2017". يضيف الهيثم أنّ "مركزنا يُعَدّ من أكبر مراكز قطاع غزة وفيه ثلاثة مدرّسين للغة التركية كانوا يقيمون في تركيا"، مشيراً إلى أنّ "الطلاب بمعظمهم يسعون إلى الحصول على مستوى أوّلي حتى يتمكّنوا من تسهيل أمورهم عند السفر إلى تركيا".
ويخبر الهيثم بأنّه "في عام 2016، عندما كنّا نعلن عن افتتاح دورة للغة التركية، لم يكن عدد الطلاب المسجّلين يتعدّى 15 طالباً. أمّا اليوم، فثمّة ثلاث دفعات تضمّ كلّ واحدة منها 50 طالباً، علماً أنّ العدد يرتفع عند طرح المنح الدراسية. ففي شهر يناير/ كانون الثاني مثلاً، يزداد العدد مع فتح الباب للفلسطينيين بالتقدّم للحصول على منح تركية، كذلك الأمر في شهر يونيو/ حزيران، فيصل عدد كل دفعة إلى 70 طالباً". ويوضح الهيثم أنّ "الغرض من دراسة اللغة التركية بالنسبة إلى معظم الطلاب هو السفر للدراسة في تركيا، سواء أكان ذلك عبر منح أم على حساب الطالب الخاص. كذلك، يقبل الباحثون عن فرص عمل في تركيا على تعلّم لغتها".
أمل حسين (22 عاماً)، وهي طالبة في المستوى الثاني في مركز ريادة، وهي في الأساس تحمل شهادة في الإعلام من جامعة الأزهر، تخبر "العربي الجديد" بأنّها لم تجد فرصة عمل ولا حتى تدريباً مؤقتاً، ففكرت بالسفر إلى تركيا ومحاولة بناء مستقبل لها فيها. تضيف أنّ "كثيرين يرغبون في الدراسة والعمل في تركيا. ومن جهتي أودّ استكمال دراستي للحصول على شهادة الماجستير"، مشيرة إلى أنّ لديها أقارب هناك. وتتابع حسين: "وجدت اللغة التركية سهلة إلى جانب تشابه عادات المجتمع التركي مع عاداتنا وتقاليدنا، وهو ما شجّعني. كذلك فإنّ صديقات لي سافرنَ للعيش في تركيا والتعلم فيها".
من جهتهما، يحاول الشقيقان مدحت (30 عاماً) ومصطفى رجب (28 عاماً) الانتهاء من المستوى الثالث في اللغة والسفر إلى تركيا في فبراير/ شباط 2019، أملاً في مستقبل أفضل في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في غزة. يُذكر أنّ مصطفى حصل على منحة دراسية لنيل شهادة الماجستير من إحدى الجمعيات الخيرية التركية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بينما يودّ مدحت السفر مع شقيقه للبحث عن فرصة عمل بعد بطالة تستمرّ منذ خمسة أعوام. يقول مدحت لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأتراك قوميون ولا يحبّون التحدّث بالإنكليزية مع أحد. وهذا من الأسباب التي تدفع الغزيين إلى تعلمها".