لعنتا كاميرون

15 سبتمبر 2016
كان سلفه بلير "أشطر" في الهروب من المسؤوليات (Getty)
+ الخط -
في الخامس عشر من سبتمبر/ أيلول 2011، وصل رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، ديفيد كاميرون، إلى بنغازي، المدينة الليبية المحررة من نظام العقيد معمر القذافي، يرافقه الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي. وخاطب كاميرون حشود الليبيين الفرحين بسقوط القذافي بفضل ضربات حلف شمال الأطلسي الجوية، قائلاً: "أصدقاؤكم في بريطانيا وفرنسا سيقفون إلى جانبكم وأنتم تعيدون بناء بلدكم، وبناء الديمقراطية للمستقبل".

وبعد مرور خمس سنوات، تحديداً، على خطاب "النصر"، تبدو ليبيا أبعد ما تكون عن الديمقراطية، وأقرب إلى دولة فاشلة، تتفشى في أنحائها الحروب القبلية، وتسيطر على مدنها تنظيمات إرهابية مثل "داعش" وأخواته. والمفارقة، أن ليبيا التي "حُررت" من نار حكم الفرد الواحد، وقعت في جحيم الجماعات المسلحة التي تتطاحن للسيطرة على الأرض والثروات، وتتقاتل لأجل إقامة "حكم الله" أو بعث حكم القذافي مجدداً. لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني، حمّلت كاميرون مسؤولية الفوضى التي تبعت إطاحة نظام معمر القذافي، والنتائج الكارثية للانهيار السياسي والاقتصادي للدولة الليبية، وما نجم عن ذلك من حروب أهلية وقبلية، وأزمة لاجئين، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وصعود "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية.

على الرغم من استقالة كاميرون من رئاسة الوزراء هرباً من كارثة استفتاء يونيو/ حزيران الماضي، وعلى الرغم من استقالته من مجلس النواب، قبل يومين فقط من الكشف عن تقرير لجنة الشؤون الخارجية بشأن ليبيا، هرباً من المساءلة ومواجهة الرأي العام، إلا أن لعنتي "البريكست" و"غزو" ليبيا، وبعدما طردتاه من الحياة السياسية، ستطاردانه إلى سنوات مقبلة، تماماً كما تُطارد لعنة غزو العراق عام 2003 سلفه توني بلير.

قد يكون في الاستقالتين بعض الخلاص لكاميرون، لكنه بالتأكيد لن يتخلص قريباً من لعنة "البريكست"، ولن يتطهر أبداً من جريمة "انهيار ليبيا"، حتى لو حاول غسل الذات بالعمل الخيري، وتحول إلى "أم تريزا" جديدة، فقد كان سلفه بلير "أشطر". ومع ذلك لم ترحم لجنة "تشيلكوت" بلير وهي تحمله مسؤولية انهيار الدولة العراقية، وسقوطها في براثن التطرف والإرهاب. وتركت في تقريرها الذي قدمته في يوليو/ تموز الماضي الباب موارباً أمام احتمالات جره إلى المحاكم الوطنية أو الدولية بوصفه المسؤول عن مقتل 179 جندياً بريطانياً، ومئات آلاف العراقيين.
المساهمون