لعنة القذافي تلاحق ترودو: اختبار في عام الانتخابات الكندية

21 فبراير 2019
أكد ترودو أنّ باتس خدم الحكومة بنزاهة وتفانٍ(فرانس برس)
+ الخط -
يواجه رئيس الحكومة الكندية، جاستن ترودو، أكبر اختبار لسلطته قبل نحو 8 أشهر من الانتخابات التشريعية، إذ زادت استقالة كبير مستشاريه جيرالد باتس، الذي هندس وصول الحزب الليبرالي إلى المرتبة الأولى بين الأحزاب الكندية وترودو إلى السلطة في العام 2015، من قوة العاصفة السياسية التي يواجهها ترودو، والتي قد تؤدي إلى الإطاحة به وبحزبه، جراء مزاعم بأن مسؤولين في الحكومة حاولوا التدخل في تحقيق قضائي بحق شركة كندية متهمة بتقديم رشوة بملايين الدولارات لمسؤولين ليبيين، في عهد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، للحصول على مشاريع بمليارات الدولارات في ليبيا، بينها سجن ومطار.

وتعتبر استقالة جيرالد باتس، كبير مستشاري ترودو وصديقه منذ أيام الدراسة في الجامعة، ضربة قوية لرئيس الحكومة، الذي يواجه انتخابات تشريعية في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. كما أنها أسوأ أزمة سياسية تشهدها كندا منذ تسلّم ترودو مقاليد الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني العام 2015. وسيترك رحيل باتس فراغاً كبيراً في فريق حملة ترودو الانتخابي قبل نحو 8 أشهر من الانتخابات. وكان باتس يقف خلف انتقال ترودو من التعليم إلى السياسة، وهو كان لاعباً رئيسياً في الحملة الانتخابية في العام 2015، والتي ناقضت كل التوقعات وأدت إلى رفع الحزب الليبرالي من المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي إلى المرتبة الأولى، وبالتالي وصول ترودو إلى رئاسة الحكومة.

وقدم جيرالد باتس، كبير مستشاري رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، استقالته الإثنين الماضي، لكي ينصرف "للدفاع عن نفسه" في مواجهة اتّهامات موجّهة له بالتدخّل للحؤول دون محاكمة شركة هندسة كندية متورّطة بفضيحة فساد في ليبيا، في قضية تحوّلت إلى أزمة سياسية تهزّ الحكومة الليبرالية قبل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية. وباتس الذي يعتبر الساعد الأيمن لرئيس الوزراء ومهندس الانتصار الذي حقّقه ترودو في انتخابات العام 2015، أكّد لدى إعلانه استقالته من الحكومة أنّه لم يحاول الضغط على النيابة العامّة لتجنيب شركة "إس إن سي لافالين" الكندية المحاكمة، والاستعاضة عن ذلك باتفاق ودّي بين الشركة الهندسية العملاقة والقضاء الكندي.

وكانت صحيفة "غلوب أند ميل"، التي فجّرت هذه الفضيحة، قبل نحو أسبوعين، ذكرت أنّ رئيس الحكومة أو مسؤولين في مكتبه مارسوا، عبثاً، ضغوطاً لكي يبرم المدّعون العامّون اتّفاقاً مع الشركة الهندسية، تدفع بموجبه غرامة ماليّة مقابل تجنيبها المحاكمة التي يمكن أن تطول وأن تكون عواقبها كارثية عليها. وبحسب صحيفة "غلوب أند ميل"، الصادرة في تورونتو، فإنّ وزيرة العدل السابقة جودي ويلسون إيبولد "تجاهلت" أوامر مكتب رئيس الوزراء بأن تطلب من النيابة العامة، كما يسمح القانون لها، بإجراء تسوية مع شركة "لافالين"، تجنبها المحاكمة بتهمة الفساد وتقديم رشوة. ولكنّ رفض ويلسون إيبولد الامتثال لأوامر رئاسة الوزراء كلّفها منصبها، إذ إنّ ترودو بدّل حقيبتها، منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، من العدل إلى شؤون قدامى المحاربين، في خفض لمرتبتها لم يستمر طويلاً، إذ إنّ الوزيرة استقالت من الحكومة الثلاثاء الماضي. وقالت ويلسون إيبولد، في رسالة الاستقالة، إنها على دراية بأن الكثير من الكنديين يودون لو تخرج عن صمتها حتى تتحدث عن قضايا أثيرت في الإعلام.

وقال باتس، في كتاب الاستقالة الإثنين الماضي، "أنفي نفياً قاطعاً المزاعم التي تفيد بأنني، أو أي فرد آخر من الحكومة، حاولنا أن نؤثّر على قرار ويلسون إيبولد. نحن نحترم الدور الفريد الذي يؤدّيه وزير العدل". وأضاف "لكنّ حقيقة الأمر أنّ هذه المزاعم موجودة. لا يمكن لهذه المزاعم ولا ينبغي لها، بأي حال من الأحوال، أن تعرقل العمل الأساسي الذي يؤدّيه رئيس الوزراء ومكتبه باسم جميع الكنديين. إنّ سمعتي هي مسؤوليتي، ومن واجبي أن أدافع عنها". وسارع ترودو إلى التعليق على استقالة كبير مستشاريه، مؤكّداً، في تغريدة، أنّ باتس "خدم حكومتنا وبلدنا بنزاهة وحكمة وتفانٍ. أودّ أن أشكره على خدمته وصداقته الراسخة".



وبحسب الشرطة الفدرالية فإن شركة "إس إن سي لافالين" قدّمت لمسؤولين ليبيين وشخصيات 48 مليون دولار كندي (32 مليون يورو) "لإقناعهم باستخدام مناصبهم للتأثير على أعمال أو قرارات" الحكومة الليبية. وحصلت وقائع الاتهامات المفترضة بين 2001 و2011، العام الذي سقط فيه نظام معمّر القذافي. وأشرفت الشركة الكندية على مشاريع بمليارات الدولارات في ليبيا، بما في ذلك بناء سجن خارج العاصمة طرابلس ومطار في بنغازي. كما تتعلق الاتهامات بمشروع "النهر الصناعي العظيم" لتوفير المياه العذبة لمدن طرابلس وبنغازي وسرت. وتوظف الشركة في مقاطعة كيبيك 3400 شخص، ونحو 9 آلاف في كندا، و50 ألف شخص في أنحاء العالم.

ورفض المدعي العام الكندي وقف التحقيق ضد الشركة عوضاً عن إجراء اتفاق معها بناء على قانون جديد مررته حكومة ترودو في مارس/آذار الماضي. وفي حال أدان القضاء الكندي الشركة فإنها ستكون ممنوعة من التقدّم بعروض لمشاريع حكومية كندية لمدة عقد من الزمن. وأعلن رئيس لجنة الأخلاقيات في البرلمان الكندي ماريو ديون إجراء تحقيق في الفضيحة المحتملة لمعرفة ما إذا كان مسؤولون كبار قد تورطوا في ممارسات غير قانونية بغرض التأثير على عمل القضاء. وأعرب ترودو عن ترحيبه بفتح هذا التحقيق، بناء على طلب الحزب الديمقراطي المعارض. وقال، خلال مؤتمر صحافي في فانكوفر، "أتعامل بطريقة إيجابية جدا مع البيان الذي يفيد بأن مفوض الأخلاقيات سينكب على التحقيق في هذه المسألة". وأضاف "أعتقد أن من المهم، نظراً إلى كل ما قيل في الأيام الأخيرة، أن يعرف الكنديون أنهم يستطيعون الاستمرار في الثقة بنظامنا القضائي".

وتضغط المعارضة على رئيس الوزراء لحمله على الكشف عن كل ما يتعلّق بهذه القضية. واعتبر زعيم حزب المحافظين المعارض أندرو شير أن استقالة باتس تكشف عن "فوضى داخل الحكومة، فيما يحاول ترودو جاهداً التغطية على الفضيحة". وقال، في تغريدة، إن "الكنديين قلقون من مزاعم تدخل الحكومة في تحقيق جنائي. ترودو يحتاج إلى التوقف عن الاختباء خلف الآخرين". واعتبر البروفسور في العلوم السياسية في جامعة تورونتو، نيلسون وايزمان، أن استقالة باتس "تعزز ببساطة فرضية ضغطه على جودي ويلسون إيبولد". وقال "بما أنه كبير مستشاري رئيس الوزراء، فإن باتس كان عيني وأذني وأنف ترودو، والأهم فمه. إن ترودو كان يعتمد على باتس أكثر من أي شخص آخر في إدارته. لقد كانا معاً في الجامعة". وأشار باتريك كوساج، المتحدث السابق باسم رئيس الحكومة الأسبق بيير إليوت ترودو، والد رئيس الحكومة الحالي، إلى أن استقالة باتس "فتحت جبهة أخرى" بوجه جاستن ترودو، موضحاً "أنها تطرح المزيد من الأسئلة عوضاً عن تقديم أجوبة على سؤال عما إذا كان له دور في جعل جودي ويلسون إيبولد تشعر أنها غير مرغوب بها؟". واعتبر كوساج، في تصريح لصحيفة "الإندبندنت" أن استقالة باتس وجهت ضربة قوية إلى ترودو والحزب الليبرالي. وقال "لا يمكنك في عام الانتخابات ترك رئيسك في الخلف".