لست صادقاً يا ترامب

28 يونيو 2019
+ الخط -
واهم كل من يعتقد أن للسياسة ديناً أو في قاموسها رحمة. على مدى اختلاف العصور والأماكن والأزمان، نزعت الرحمة، وهي رديف السلطة من السلطان، فلا رحمة لسلطانٍ على من ينازعه في الملك، هذا ما وجدناه في القوانين الوضعية الأرضية.
كثر الحديث عن احتمالية نشوب مواجهة مسلحة بين أميركا وبلاد فارس. وساحة المعركة، بل احتمالية وقود هذه المعركة، هي المصالح العربية، الخليجية تحديدا، قبل أن تكون المصالح الأميركية أو الإيرانية. وساحة الميدان لا شك عربية، فقد بدأ التراشق الإعلامي بين المتنازعين المحتملين بشكل يومي تقريبا، فهذا يلوّح بعصاه وأسلحته الذكية المتطوّرة المدمرة، وذاك يلوح بأذرعه المنتشرة في كل مكان، وفي أي مكان للأميركان وجود فيه، ولا سيما في الشرق الأوسط.
يبدو أن الحصار الاقتصادي المفروض على إيران لا يكفي لردع إيران، بحسب محللين. والنشاط الإيراني العسكري واضح في المنطقة خصوصا، والاتهامات بدت واضحة ومعلنة أن إيران استهدفت ناقلتي نفط في بحر عُمان. ونتيجة ذلك، وبإيعاز من أميركا، طلب من السعودية أن تدعو إلى عقد قمتين طارئتين في مكة، خليجية وعربية، لبحث المستجدات في الخليج. وهو الأمر الذي قابلته إيران بالرد على أن هذه الاجتماعات ليس لها تأثير على جمهورية إيران، وأخذ الوضع يزداد شحنا والكل يلوح بالقوة.
يجزم الرأي العام بحصول أمر ما في المستقبل القريب، وفي سابقة لم تكن في الحسبان، ربما عند بعضهم، أسقطت إيران طائرة استطلاع تجسّسية أميركية. وتناولت هذا الموضوع وسائل إعلام إيرانية وخليجية، فضلا عن الأميركية. هنا بدا الترقب من الجميع، إذ كيف سيكون الرد على خلفية إسقاط تلك الطائرة التجسّسية، والتي أخذت فقط من الناحية المادية، والتي تقدر قيمتها بـ121 مليون دولار. من هذا المنطلق، نجد أن ترامب قد غيّر لون جلده.
بينما الكل توقع ردا عنيفا من أميركا، إلا أن أوامر صدرت من ترامب بإلغاء أمر ضرب أهداف إيرانية منتخبة قبل دقائق من موعد التنفيذ، والسبب احتمالية وقوع 150 شخصا ضحية تنفيذ الهجوم، فمتى كانت الإنسانية من أولويات حسابات واشنطن؟ فهذا تاريخها المظلم في ماضيها، وهذا حاضرها الأسوأ، ومأساة العراقيين ليست بعيدة، وخير شاهد على الإجرام الأميركي هو يوم 13من شهر فبراير/ شباط من عام 1991، حيث نفذت طائرات أميركية ضربة جوية بصواريخ خاصة، مستهدفة ملجأ العامرية في بغداد، ومخلفة أكثر من أربعمائة شهيد بين طفل رضيع وامرأة وشيخ كبير، وكل الدلالات كانت توحي بأن هذا المبنى هو ملجأ للمدنيين الذي تحرم قصفه كل المواثيق الدولية.
ولهذا، المبرّر الذي استند إليه ترامب بعدم تنفيذ الهجوم كان مضحكا بشكل كبير، ولم يلق مصداقية من أصحاب الرأي السياسي في الساحة الدولية. والأمر الآخر هو كشف الأهداف التي كان متوقعا استهدافها من منصات إطلاق صواريخ ورادارات الكشف المبكر الإيرانية، فإن كشف هذه الأهداف سيجعل من إيران تزيد من ترتيباتها الأمنية بهذا الخصوص.
لقد وضع الرئيس الأميركي نفسه في عنق زجاجة مكسورة الرأس، بل مشوهة. وإذا استمر الوضع هكذا، فهذا يثبت أن الدبلوماسية الأميركية انهزمت أمام الإصرار الإيراني على المواجهة. ولذلك، ومن وحي القراءات في تاريخ أميركا، لا نظن أن قاموسها تزينه الرحمة، كما زيّنت سماء اليابان في الحرب العالمية الثانية، فما زال الموقف فيه ريبة وابن الصفراء في جعبته شيء مخيف سيظهره عاجلا أم آجلا، واحتمالية استدراج إيران إلى خطأ أكبر وارد، فيرد مرتين، آخذا في الحسبان سكوته في المرة السابقة، فهل ستشهد الساحة عروضا مسرحية كالتي خلت؟ أم أننا سنغرق في دوامة الانتظار؟
D3F88CA3-6C5C-43B5-A92E-5CAB034CD51C
D3F88CA3-6C5C-43B5-A92E-5CAB034CD51C
عبد العزيز محمود (العراق)
عبد العزيز محمود (العراق)