لبنان عاجز عن التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية في أسواقه. هذا ما يؤكده خبراء بيئيّون لـ "العربي الجديد"، إذ إنها إما تُرمى في الأحراج أو الوديان أو يُحرق بعضها عشوائياً، بالإضافة إلى احتمال إعادة استعمالها بعد وسمها بتواريخ مختلفة.
وفي محاولة للالتفاف على ذلك، أعلنت الجامعة الأميركية في بيروت، أن فريقاً بحثياً لديها ابتكر بالتعاون مع جمعية "سيدر إنفيرومنتال" البيئية طريقة جديدة لإعادة تدوير الأدوية المنتهية الصلاحية، من دون اللجوء إلى الحرق ولا الطمر. لكن السؤال يبقى: إلى أي مدى تُعدّ هذه الطريقة صالحة ولا تلحق ضرراً بالبيئة؟
يقضي هذا الابتكار بوضع أقراص الأدوية المنتهية الصلاحية في ألواح من البلاستيك أعيد تدويرها من قبل "سيدر إنفيرونمنتل". ويشير رئيسها، زياد أبي شاكر، إلى أن "الجمعية تقدّمت في عام 2010 بطلب للحصول على براءة اختراع لتكنولوجيا طورتها لإعادة تدوير الأكياس والخردة البلاستيكية في ألواح سميكة تستخدم لكل الاحتياجات، عوضاً عن الألواح الخشبية أو ألواح الصلب. وتحمل هذه التكنولوجيا اسم إيكوبورد".
ويوضح أبي شاكر لـ "العربي الجديد" أن "اختبارات تسرّب أجريت على ألواح بلاستيكية معبأة بأقراص دواء منتهية الصلاحية من عقار ديكلوفيناك وهو مضاد التهابات. وضعت الألواح في مغاطس مياه حرارتها 27 درجة مائوية (حرارة المحيط) و50 درجة مائوية و70 درجة مائوية (حرارة غير متوقعة). وفي الحالات الثلاث، لم يسجّل أي تسرّب من أيّ من العينات الثلاثين التي أجري الاختبار عليها".
يضيف أبي شاكر أن "بعد اختبار الألواح البلاستيكية التي تحتوي على أقراص دواء كاملة، أجري اختبار تسرّب آخر على ألواح تحتوي على أدوية مسحوقة. وفي هذا الاختبار، طحنت أقراص الدواء المنتهية الصلاحية ووضعت في ألواح إيكوبورد بلاستيكية، أغرقت، أيضاً، في المياه التي أتت حرارتها بحسب الدرجات المذكورة سابقاً. أظهر هذا الاختبار معدلات تسرّب ضئيلة للغاية". وفيما كانت اختبارات التسرّب جارية، تابعت الجمعية تطوير عملية تصنيع تلك الألواح، عبر إضافة حاجز من الألومنيوم لأقراص الدواء يجعل التسرب شبه مستحيل، وخصوصاً أن الأقراص الكاملة لم تتسرّب".
وتعليقاً على هذا الإنجاز البيئي القاضي بالتخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية، يتحدّث الخبير البيئي، الدكتور ناجي قديح، عن الآثار السلبية لتلك الطريقة العلمية الحديثة. يقول لـ "العربي الجديد" إن "المسألة ليست في تقنية التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية، إنما في تحويلها إلى مواد بلاستيكية. يضيف: "من حيث المبدأ، تلعب هذه الطريقة دوراً مساعداً في التخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية، وهي تعدّ مقبولة نوعاً ما. لكن الخوف يبقى من طمر هذه الأدوية وتحوّلها نفايات خطرة. ما من ضمانات لعدم تسرّب سمومها إلى جوف الأرض. عندها، تزيد الأمور سوءاً. ونحن لا نحبذ المطامر، إذ إنها تلحق الأذى بالمياه الجوفية، بالإضافة إلى أن طبيعة لبنان الجيولوجية لا تحتمل إنشاء المطامر".
ولعلّ أبرز ما يشدد عليه قديح هو أن "أي خطوة للتخلص من الأدوية المنتهية الصلاحية أو غيرها من النفايات الطبية، تحتاج إلى نظام متكامل لإدارتها من الفرز إلى التخزين، وصولاً إلى كيفية التخلص منها بطرق علمية ومن دون المسّ بسلامة البيئة. بالتالي، يجب أن يكون الحل متكاملاً وشاملاً". يضيف: "لكن وللأسف، ما نلمسه، اليوم، هو عدم توفّر نظام بيئي معتمد في لبنان للتخلص من الأدوية الصيدلانية المنتهية الصلاحية، من دون إلحاق الأذى بالبيئة من خلال زيادة التلوث الأخطر كيميائياً".
من جهته، يرى الخبير البيئي في الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور فريد شعبان، أن الطريقة التي عرضتها جمعية "سيدر إنفيرومنتال" مهمة، شريطة ألا يُساء استعمالها. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "عملية تدوير الأدوية المنتهية الصلاحية تخفف من نسب كميات النفايات الطبية، لتجعل منها مواد أولية يعاد استخدامها".
وعن رأي وزارة البيئة حول هذا الإنجاز العلمي، يقول الوزير، محمد المشنوق، لـ "العربي الجديد" إن "عملية طمر الأدوية المنتهية الصلاحية غير مطابقة للمواصفات العلمية والبيئية، إذ لا نجد في لبنان أراضيَّ صالحة للطمر. كذلك ثمّة خوف من أن تتحوّل إلى نفايات سامة خطيرة. عندها، تأتي صعوبة التخلص منها، بالإضافة إلى الضرر الذي يلحق بالصحة والبيئة". تجدر الإشارة إلى أن وزير البيئة يؤيّد عملية التخلّص من الأدوية المنتهية الصلاحية من خلال حرقها، شريطة تنظيمها.
اقرأ أيضاً جراثيم المستشفيات: عدوّ خفيّ