لبنان وعبثية الدويلات الطائفية

07 اغسطس 2020
أكد الانفجار أن الدويلات الطائفية تنخر أسس وجود لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

أُشبع اللبنانيون كلاماً حول استشراء فساد حكم "ملوك الطوائف" و"أمراء الحرب"، ويأتي انفجار بيروت ليؤكد مجدداً، أن مكيافيلية دويلات الطائفية تنخر أسس وجود لبنان. "تشاطر" المكيافيلية أثبت عبثيتها المدمرة في هذا البلد. فالدولة، تحت رايات المحاصصة، تصير دويلات، فيما تقفز التحالفات من خندق إلى آخر. ففي "العهد القوي" صار نظام الديكتاتور السوري بشار الأسد، حليفاً استراتيجياً، بعد أن كان في 1990 "احتلالاً وغزواً"، وعليه يمكن قياس كل انقلابات التحالفات.

مع انحسار الدولة بفرض الدويلات وجيوشها، يصبح بديهياً أن تربط المذهبية والطائفية حبال قرارها وتمويلها وولائها بالخارج، تارة بالولي الفقيه الإيراني، وأخرى بالرياض، ولو بلا مليشيا، فيما يعتبر البعض فرنسا "الأم الحنون"، وغيرها من الارتباطات.
يُوصَف اللبنانيون بـ"الشعب العنيد"، وواقع الحال مع توالي الأهوال والكوارث منذ 1958، يعكس حقيقة الوصف؛ فلولا ذلك لكان لبنان خالياً من شعبه. منذ توقفت الحرب الأهلية فيه، ومع دخوله الألفية الجديدة، أصر ورثة الاستخفاف بقيمة وذكاء اللبنانيين على اعتبار البلد منجم نهب، للثراء على حساب المسحوقين، بكثير من الفساد وغياب الشفافية، واستهتار بدولة القانون وفصل السلطات، باستحضار بعبع وفواجع وبكائيات مذهبية، وضرب السلطة الرابعة، صحافة وإعلاماً، بعرض الحائط، كلما أزكمت رائحة فسادهم أنوف الشعب.

من الواضح أن الديمقراطية الطائفية، من أصغر توظيف إلى التوزير وبقية المناصب، لم تُنتج بعد الحرب الأهلية سوى "بعث سوري" متنقل بين الأحزاب، تقاد بأسد صغير عند قياداتها، وأوليغارشية لا تلاقي حرجاً بالتحالف مع مثيلتها في دمشق، وغيرها.
وفي كل الأحوال، تحت رماد مرفأ بيروت ما يُرعب طبقة الفساد، والتي لا تختلف عن مثيلاتها العربية سوى بوقاحة إشهارها. فلبنان في قادم الأيام ربما يعيش ارتدادات عصف الانفجار، وما الدعوات الأخيرة لتطبيق حكم انقلابي عسكري، وأحكام عرفية، وتمرير رسائل "حزم وتعليق مشانق"، سوى أحد تجليات الخوف من شارع سئم دويلات الطائفية، التي تتبادل الاتهامات فوق الطاولة، وتتقاسم النهب ومخرجات الفساد تحتها.

لعل أخطر ما يواجهه الشعب المنكوب، الاستيقاظ على رتابة المزيد من الانتهازية، واستدعاء خطاب شعبوي لشد العصب المذهبي والطائفي، وإضفاء قدسية على القيادات، لعرقلة آليات المحاسبة، ما سيأخذ الجميع نحو هاوية حقيقية هذه المرة، وعلى طريقة أنظمة الاستبداد، باعتبار من لا يعجبه البلد "خائنا وعميلا" أو "فليرحل عنه".