26 أكتوبر 2024
لبنان والعدوان الإسرائيلي
من حين إلى آخر، يخرج مسؤول سياسي أو عسكري في دولة الاحتلال الإسرائيلي مهدّداً لبنان بالقصف والتدمير، وإعادته إلى العصور الحجرية، ومؤكداً أن "أي حربٍ ستطاول لبنان بأكمله من دون تمييز بين الجيش اللبناني وحزب الله". كما تنشر وسائل إعلام إسرائيلية أخبارا عن "مناورات عسكرية للجيش"، و"عن بناء الجيش بلداتٍ مشابهة لبلداتٍ لبنانيةٍ جنوبيةٍ للتدرّب عليها من أجل أي حربٍ مقبلة". تزخر وسائل الإعلام الإسرائيلية بالمحللين الذين يتوقعون الحرب في لحظةٍ ما، غير أن ذلك كله لا يعني شيئاً.
لا يعني ارتفاع حدّة الكلام الإسرائيلي سوى أن الحرب لن تقع، بناءً على تصوّراتهم وتحليلاتهم. صحيحٌ أن الإسرائيليين يتدرّبون، وأن مناوراتهم مستمرّة، إلا أن أي حربٍ مع لبنان لن تقع، لأسباب عدة. بدايةً، بدأ لبنان يتحوّل إلى بؤرةٍ مليئةٍ بالنفايات والفساد والخلافات الطائفية والسياسية، وارتفاع نسب الجريمة والأمراض السرطانية، وتدهور الوضع الاقتصادي، وانغماس كثيرين بحروبٍ لا تسمن ولا تشبع على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم التفكير بحلّ لزحمة السير والإنارة على الطرقات، وتصريف البضائع المحلية من زراعية وصناعية. أي إسرائيلي حين يرى الوضع اللبناني كما هو يصبح متأكّداً من أن هجوما على لبنان سيوحّد الشعب اللبناني ضد العدوان، على اعتبار أنه "عدوانٌ تستوجب مقاومته".
بالتالي، يمكن أن يجلس الإسرائيلي على صخرة في شمالي فلسطين المحتلة، ويراقب تهاوي لبنان وتآكله من الداخل، فلبنان هذا لن يتمكّن من الدفاع عن ذاته أمام أي محتل، ولا حتى قادر هو على المواجهة. التآكل من الداخل اللبناني مميت، والعناصر الأساسية لديمومة البنى التحتية، وبالتالي الإنسان في لبنان، غير متوفرة وغير كافية.
في المقابل، يعمل الإسرائيلي على تحويل المياه من الهواء، وعلى إعادة تكرير 90% من مياه الصرف الصحي، ويعمل على تكثيف الزراعة والصناعة، وعقد الاتفاقات الدولية. يعمل العدوّ الإسرائيلي على تحصين مجتمعه في مختلف قطاعات الحياة، ففي أي حربٍ سيهبّ الجميع للقتال إلى جانبه، دفاعاً عن مكاسبهم الحياتية، وهو أمرٌ مفقود في لبنان.
يكفي النظر إلى يومياتٍ لبنانية تثير الاشمئزاز: سائقو سياراتٍ باهظة الثمن يرمون النفايات من نوافذ سياراتهم. زحمة السير صفةٌ متلازمةٌ للطرقات اللبنانية. الأقساط المدرسية في المدارس والجامعات الدينية والخاصة والعلمانية أصبحت أغلى من الحدّ الأدنى للأجور (500 ألف ليرة لبنانية = 333 دولاراً) بعشر مرات أقله. في لبنان، تجد شاباً يقود سيارةً من دون رقم متمختراً في البقاع حاملاً مسدسه، ثم تمرّ من أمامه شاحنةٌ عسكريةٌ تابعة للجيش اللبناني، ولا تفعل شيئاً له. تلازم القانون مع الخارجين على القانون صفة لبنانية راسخة، في ظلّ غياب المحاسبة والدور القضائي.
تخيلوا أن بعضهم يردّد عبارات "كرامة ومقاومة" وما شابه، في وقتٍ لا يتمكّن فيه من الحصول على الأدنى من قوته اليومي، وغير قادر على دخول المستشفى، أو دفع أقساط مدرسية، أو ترفيه نفسه. تخيلوا أن بعضهم يردّد "إصلاح وتغيير" في وقتٍ بات الفساد عصيّا على الإصلاح. تخيلوا أن المليشيات التي تحولت إلى طبقةٍ سياسيةٍ في الدولة منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1989، تحذّر مما سمته "انهيار لبنان الاقتصادي"، وهي مشاركة في تدميره مع فصائل وأطراف دخلت النظام الدولتي، وأمعنت فيه فساداً وتلويثاً.
حين يتحدث الإسرائيلي عن حربٍ يدرك أنه لن يقوم بها. وحزب الله أيضاً لن يعطي الذريعة لهذه الحرب، مهما حصل. ستراوح الأمور مكانها. وسنخضع لمفهوم التآكل من الداخل، حتى يتم القضاء على الجزء الأكبر من الوعي اللبناني المتبقي، فالفوضى المحدودة في لبنان تُريح إسرائيل، وتفسح المجال لمزيد من هيمنة قوى إقليمية في الداخل اللبناني. لن يقصف الإسرائيلي ولن يضرب في لبنان، بينما نحن متروكون لأقدارنا، حتى سقوط الطبقة السياسية الحالية يوماً ما.
لا يعني ارتفاع حدّة الكلام الإسرائيلي سوى أن الحرب لن تقع، بناءً على تصوّراتهم وتحليلاتهم. صحيحٌ أن الإسرائيليين يتدرّبون، وأن مناوراتهم مستمرّة، إلا أن أي حربٍ مع لبنان لن تقع، لأسباب عدة. بدايةً، بدأ لبنان يتحوّل إلى بؤرةٍ مليئةٍ بالنفايات والفساد والخلافات الطائفية والسياسية، وارتفاع نسب الجريمة والأمراض السرطانية، وتدهور الوضع الاقتصادي، وانغماس كثيرين بحروبٍ لا تسمن ولا تشبع على مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم التفكير بحلّ لزحمة السير والإنارة على الطرقات، وتصريف البضائع المحلية من زراعية وصناعية. أي إسرائيلي حين يرى الوضع اللبناني كما هو يصبح متأكّداً من أن هجوما على لبنان سيوحّد الشعب اللبناني ضد العدوان، على اعتبار أنه "عدوانٌ تستوجب مقاومته".
بالتالي، يمكن أن يجلس الإسرائيلي على صخرة في شمالي فلسطين المحتلة، ويراقب تهاوي لبنان وتآكله من الداخل، فلبنان هذا لن يتمكّن من الدفاع عن ذاته أمام أي محتل، ولا حتى قادر هو على المواجهة. التآكل من الداخل اللبناني مميت، والعناصر الأساسية لديمومة البنى التحتية، وبالتالي الإنسان في لبنان، غير متوفرة وغير كافية.
في المقابل، يعمل الإسرائيلي على تحويل المياه من الهواء، وعلى إعادة تكرير 90% من مياه الصرف الصحي، ويعمل على تكثيف الزراعة والصناعة، وعقد الاتفاقات الدولية. يعمل العدوّ الإسرائيلي على تحصين مجتمعه في مختلف قطاعات الحياة، ففي أي حربٍ سيهبّ الجميع للقتال إلى جانبه، دفاعاً عن مكاسبهم الحياتية، وهو أمرٌ مفقود في لبنان.
يكفي النظر إلى يومياتٍ لبنانية تثير الاشمئزاز: سائقو سياراتٍ باهظة الثمن يرمون النفايات من نوافذ سياراتهم. زحمة السير صفةٌ متلازمةٌ للطرقات اللبنانية. الأقساط المدرسية في المدارس والجامعات الدينية والخاصة والعلمانية أصبحت أغلى من الحدّ الأدنى للأجور (500 ألف ليرة لبنانية = 333 دولاراً) بعشر مرات أقله. في لبنان، تجد شاباً يقود سيارةً من دون رقم متمختراً في البقاع حاملاً مسدسه، ثم تمرّ من أمامه شاحنةٌ عسكريةٌ تابعة للجيش اللبناني، ولا تفعل شيئاً له. تلازم القانون مع الخارجين على القانون صفة لبنانية راسخة، في ظلّ غياب المحاسبة والدور القضائي.
تخيلوا أن بعضهم يردّد عبارات "كرامة ومقاومة" وما شابه، في وقتٍ لا يتمكّن فيه من الحصول على الأدنى من قوته اليومي، وغير قادر على دخول المستشفى، أو دفع أقساط مدرسية، أو ترفيه نفسه. تخيلوا أن بعضهم يردّد "إصلاح وتغيير" في وقتٍ بات الفساد عصيّا على الإصلاح. تخيلوا أن المليشيات التي تحولت إلى طبقةٍ سياسيةٍ في الدولة منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1989، تحذّر مما سمته "انهيار لبنان الاقتصادي"، وهي مشاركة في تدميره مع فصائل وأطراف دخلت النظام الدولتي، وأمعنت فيه فساداً وتلويثاً.
حين يتحدث الإسرائيلي عن حربٍ يدرك أنه لن يقوم بها. وحزب الله أيضاً لن يعطي الذريعة لهذه الحرب، مهما حصل. ستراوح الأمور مكانها. وسنخضع لمفهوم التآكل من الداخل، حتى يتم القضاء على الجزء الأكبر من الوعي اللبناني المتبقي، فالفوضى المحدودة في لبنان تُريح إسرائيل، وتفسح المجال لمزيد من هيمنة قوى إقليمية في الداخل اللبناني. لن يقصف الإسرائيلي ولن يضرب في لبنان، بينما نحن متروكون لأقدارنا، حتى سقوط الطبقة السياسية الحالية يوماً ما.