أثارت قضية توقف الحكومة عن دفع رواتب العاملين في القطاع العام في لبنان الذعر لدى المواطنين، حيث قرر وزير المالية اللبناني، علي حسن خليل، التوقف عن دفع رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين بسبب غياب الاطار القانوني للتسديد أواخر الشهر الحالي.
وحسب محلّلين، فإن وزير المالية يتسلّح بالقانون، حيث يطالب النواب بحضور جلسات مجلس النواب، وإصدار قانون تستطيع الدولة بموجبه الإنفاق على رواتب الموظفين، بالاضافة الى تسديد نفقاتها.
الأزمة سياسية بامتياز. ويدفع موظفو القطاع العام هذه المرة فاتورة هذا الانقسام، تحت حجج قانونية، يريد من خلالها وزير المالية وفريقه السياسي دعوة النواب لحضور جلسات التشريع في المجلس النيابي، بعد الشلل الذي أصاب أركان الدولة اللبنانية.
غياب الرواتب
التهديد بتوقف دفع الرواتب في لبنان، أثار موجه تساؤلات في ظل إصرار العديد من الكتل السياسية على عدم حضور جلسات مجلس النواب، وحديث وزير المالية عن أن القاعدة الاثني عشرية، والقانون الذي أصدرته حكومة الرئيس السابق نجيب ميقاتي منذ سنتين، والذي شرّع للحكومة صرف حوالى 8900 مليار ليرة تُضاف إلى ما هو مسموح بإنفاقه بموجب موازنة عام 2005، ليسا كافيين لتغطية الإنفاق العام، مشيراً الى أن إقرار سلفة للوزارات في مجلس الوزراء، أمر مخالف للقانون، وأن الحل الوحيد لقوننة هذا الإنفاق هو في إصدار قانون خاص في مجلس النواب أو إقرار موازنة عامة.
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيتصرف وزير المالية لدفع الاستحقاقات المالية آخر الشهر في حال رفض الكتل السياسية لطلبه؟
وفي هذا الاطار، أشار الخبير القانوني، حسن الرفاعي، إلى أن قرار وزير المالية بالمطالبة بإقرار الموازنة، ودعوة النواب الى المجلس للتشريع، عملية قانونية بامتياز، وقال لـ"العربي الجديد": "ما يطرحه خليل يأتي في صلب العمل التشريعي والقانوني، لكن وضع البلاد في ظل التشرذم السياسي وعدم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، تجعل قرار الوزير سياسي أكثر ممّا هو قانوني".
وأضاف: "يعيش لبنان في فراغ سياسي ودستوري، حيث يغيب إقرار الموازنات المالية منذ العام 2005، ويعدّ هذا الامر سابقة خطيرة في تاريخ أي بلد، فالإنفاق خلال السنوات الماضية، وإن كان على القاعدة الاثني عشرية، يعدّ استثناءً، ولا يمكن الاستمرار في الاستثناء في ظل وجود القاعدة القانونية التي تشرّع عمل السلطة التنفيذية والتشريعية".
وختم الرفاعي مطالباً بضرورة إيجاد صيغ توافقية بين النواب، لأن "التهديد بعدم دفع الرواتب سيشكل أزمة حقيقية على الموظفين من جهة، والاقتصاد اللبناني من جهة أخرى".
نتائج كارثية
عندما اشتعلت الثورات العربية، قبل 3 سنوات، شكلت الظروف الاقتصادية والاوضاع المعيشية المحرك الاساسي لهذه الثورات. في تونس، مصر، اليمن، ليبيا وسوريا. فالمواطنون انتفضوا على حكامهم مطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية من جهة، ووقف الفساد من جهة أخرى، ونجحت الثورات في تحقيق غاياتها وتغيير أنظمة كانت قائمة منذ سنوات.
وفي لبنان، الظروف الاقتصادية والمعيشية لا تختلف عن الظروف المحيطة بكافة الشعوب العربية، إنْ لجهة الفقر أو البطالة، لكن الانفجار الاجتماعي لم يحدث حتى اليوم، ويتخوّف العديد من خبراء الاقتصاد إذا توقفت الحكومة عن تسديد رواتب موظفي القطاع العام، من وقوع انفجار اجتماعي، وخاصة أن هذه الفئة من المواطنين لا تمتلك مصادر أخرى لمعيشتها.
وفي هذا الاطار، قال الخبير الاقتصادي، كامل وزني، لـ"العربي الجديد"، إن "توقف الحكومة عن تسديد الرواتب، ستكون له نتائج كارثية، اجتماعياً واقتصادياً، لأن الموظفين لن يقفوا مكتوفي الايدي أمام عدم تسلّمهم رواتبهم، والشارع اللبناني شهد على تحركات عمالية كبيرة شلّت القطاع العام للمطالبة بزيادة الرواتب، فكيف سيكون الامر في حال التوقف عن سداد راتبهم الاساسي؟".
مضيفاً أن التوقف عن تسديد الرواتب ستكون له انعكاسات سلبية على المستوى الدولي، حيث ستتأثر سمعة لبنان، ما ينعكس سلباً على إصدارات سندات اليوروبوندز، بالاضافة الى تخفيض تصنيفه الائتماني.
وأوضح أنه حتى اليوم لا توجد أي آلية قانونية لدفع الرواتب، وخاصة أن وزير المالية يصر على عقد جلسات تشريعية وقوننة آليات الدفع، متسائلاً: ماذا لو لم يتم عقد جلسات تشريعية قبل نهاية الشهر؟ هل سيقبل موظفو القطاع العام بعدم تسديد رواتبهم؟
تقنين صرف الرواتب
أشارت مصادر كتلة تيار المستقبل، أحد الفرقاء السياسيين في لبنان، في تصريحات لإحدى الصحف اللبنانية، إلى أن المخرج الحقيقي هو في صرف الرواتب في إطار إقرار مشروع قانون موازنة سنة 2014، على أن يستمر دفع الرواتب للموظفين، والتي هي من المصاريف المالية الدائمة، استناداً إلى قانون المحاسبة العمومية وإلى قانون موازنة العام 2005 وكذلك استناداً إلى إجازة من الحكومة، إلى أن يصار إلى بت قانون الموازنة العامة لسنة 2014 التي تؤمّن عند إقرارها معالجة جميع الأمور المعلقة من السنوات السابقة.
كما أفادت أوساط وزارية، من فريقي 14 آذار والوسطيين، بأن التغطية القانونية لدفع الرواتب مؤمّنة من خلال قرار لمجلس الوزراء عام 2006، في عهد الرئيس اللبناني السابق إميل لحود، الذي يقضي بدفع ما تقتضي المصلحة العامة صرفه بما فيها الرواتب والاجور في القطاع العام وكذلك من خلال قانون رقم 715 الذي يجيز دفع النفقات الدائمة قبل المصادقة على الموازنة العمومية.
وكان حاكم مصرف لبنان (البنك المركزي)، رياض سلامة، قد أكد أن الرواتب والاجور للقطاع العام مؤمّنة بشكل دائم، متعهّداً بتأمين هذه الحاجيات ومتمنياً عدم إقحام الملف المالي في الصراعات السياسية.