في السياق نفسه يأتي كلام أحد الضباط الكبار في الأمن العام اللبناني، الذي يقول لـ"العربي الجديد"، إن رئيس الحكومة، تمام سلام، يُصرّ على أن المكلّف الوحيد بإدارة ملف التفاوض، هو مدير عام الأمن العام اللواء، عباس إبراهيم، "لكننا نفاجأ دائماً بتدخلات ومحاولات دخول على خطّ المفاوضات من هذا الطرف أو ذاك، بعبارة أخرى يكلفونه ويضعون العراقيل". ويُشير الضابط إلى أن إعدام العسكري، علي البزال، جاء بعد ساعات من اتخاذ خلية الأزمة الحكومية قرارها التفاوض المباشر، والقبول بمبدأ التبادل. ويؤكّد الضابط أن إبراهيم زار دمشق منذ نحو أسبوع، وحصل على موافقة منها على الطلب اللبناني بأن تطلق سراح خمسين معتقلة من سجونها، مقابل كلّ عسكري لبناني، وذلك بعد أن قبلت الحكومة عرض جبهة النصرة القاضي بمبادلة كلّ عسكري بخمسة موقوفين في سجن رومية وخمسين معتقلة لدى النظام السوري. لكن الضابط يُشير إلى أن هناك من أطلق النار على "زيارة اللواء إبراهيم، رغم أن الحكومة هي من اختارت هذا العرض".
تتفق المصادر اللبنانية العسكرية والسياسيّة، على أنّ الإعلان الرسمي عن وفاة الوساطة القطرية جاء بعد توقفها العملي منذ نحو أسبوعين، "إذ لم يكن لدى الوسيط أي شيء يُقدّمه" بحسب ما يقول أحد أعضاء خليّة الأزمة التي شكّلتها الحكومة اللبنانية لإدارة ملف التفاوض.
ما هي الخطوة التالية إذاً؟ لا يمتلك المسؤولون المعنيون بملف التفاوض، سياسيين وعسكريين، إجابة واضحة على هذا السؤال. يقول أحد أعضاء خلية الأزمة: "علينا إيجاد طريق جديد، اليأس ممنوع". تتكرر عبارة أن "اليأس ممنوع" كثيراً في حديث المسؤولين، وكأنها تُريد أن تخفي أمراً آخر: "ملف التفاوض وصل إلى طريق شبه مسدود"، كما يُعبر أحد المسؤولين العسكريين. من جهته امتنع رئيس الحكومة اللبنانية، تمام سلام، من إعلان أي موقف من وقف الوساطة القطرية.
في هذا المناخ، عادت هيئة العلماء المسلمين إلى تحريك مبادرتها، التي أعلنتها يوم السبت الماضي، والتي سمتها "مبادرة السلامة والكرامة"، والتي تقضي بأن تطلق "الجهات الرسمية فوراً سراح النساء والأطفال المحتجزين" وتطال "الجهات الخاطفة بالكفّ عن ترويع الأهالي وتهديدهم بقتل أبنائهم، لما له من أثر بالغ ومرير على ذويهم وعلى سائر المواطنين، والإفراج عنهم". وبدأت هيئة العلماء، منذ يوم أمس، جولاتها في إطار السعي إلى الحصول على تكليف رسمي لمبادرتها، والتقت مفتي الجمهورية اللبنانية، عبداللطيف دريان ــ وهي زيارة توضع، أيضاً، في إطار إعادة ترتيب العلاقة بين السلفيين وتيار المستقبل.
ولا ترى مصادر هيئة العلماء، أن هناك أفقاً جديّاً لمبادرتها، وذلك "بناءً على تجربتنا السابقة، ولأن الحكومة لم تبدِ حتى اللحظة أي نية في حلحلة الموضوع" كما يقول أحد أعضاء الهيئة لـ"العربي الجديد". ويُضيف الرجل أن الهيئة طلبت عدداً من المواعيد من رئيس الحكومة، تمام سلام، وقائد الجيش، جان قهوجي وعباس إبراهيم، ومن مسؤولين سياسيين، لتلتقي معهم اليوم، في إطار الحصول على تفويض للعمل على مبادرتها.
وقال عضو آخر في الهيئة، إن أحد أسباب إطلاق المبادرة هو "رفع العتب" تجاه المسلحين السوريين الذين طالبوا رئيس الهيئة الشيخ، سالم الرافعي، بالتدخل في إطار "حماية أعراض المسلمين". وأضاف إن الحكومة لا يُمكنها في هذه المرحلة "تسويف المبادرة، إذ أن موافقتها تعني إطلاق سراح الموقوفتين، سجى الدليمي وعلا العقيلي".
بداية الوساطة
بدأت الوساطة القطرية بعد زيارة رئيس الحكومة اللبنانية، تمام سلام، الدوحة منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، أي بعد نحو أسبوعين من خطف العسكريين، لطلب المساعدة القطرية في هذا المجال. وقد طلب لبنان مساعدة تركية إلى جانب المساعدة القطرية، لكن الأتراك رفضوا الدخول في هذا الموضوع. وعلى هذا الأساس، بدأت الوساطة عبر أحمد الخطيب، وهو رجل أعمال من أصل سوري. وقد لعبت قطر دوراً بارزاً في إطلاق سراح مخطوفي أعزاز، ومن ثم في إطلاق سراح راهبات معلولا.
*************
فشل مبادرة هيئة العلماء
تُعد الوساطة القطرية ثاني وساطة تتوقف في هذا الملف، إذ سبق لهيئة العلماء المسلمين أن أعلنت وقف مبادرتها التي أطلقت سراح عدد من الجنود المحتجزين، إضافة إلى وقف إطلاق النار. وقد توقفت الوساطة لأسباب كثيرة، منها عدم تجاوب الحكومة معها، وإطلاق النار على رئيس الهيئة الشيخ، سالم الرافعي، (الصورة) والوفد المرافق له خلال دخولهم إلى عرسال (شرقي لبنان) للقاء الخاطفين.
**********
الضياع الرسمي
برز التباين الداخلي اللبناني بشكلٍ كبير عندما قطع أهالي العسكريين مدخل بيروت لجهة الشمال، وحاولت الحكومة فتح الطريق. حينها، لم يُفتح الطريق إلا عند زيارة الوزير، وائل أبو فاعور للأهالي، وقد انتشرت معلومات بأن الأهالي رفضوا طلب مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم، وهو ما اضطر الأمن العام إلى إصدار بيان ينفي أن يكون إبراهيم قد تواصل مع الأهالي وأنهم رفضوا طلبه.