16 نوفمبر 2024
لبنان.. طائفية تضطهد الإنسان
منذ عام ونيّف، كان "حلم" أكثرية اللبنانيين المشروع، هو "رفع أكياس النفايات من الشارع"، على أن تستتبعه، وفقاً للأحلام أو الأوهام في حينه، سلسلة مطالباتٍ لتلبية الحاجات الاجتماعية، المفترض أن أكثر من أربعة ملايين لبناني يتشاركونها يومياً. بعد عام ونيّف، بات الجدال محصوراً حول حجاب ديني وعطلة دينية، وبقيت أكياس النفايات في الشوارع. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن لبنان لن يخرج من طائفيته أبداً، طالما أن أكثرية "علمانييه" هم "جنود في خدمة الطائفة"، تحديداً حين تصبح الأوضاع حادّة بالمعنى المذهبي، وتحتاج لحسم المواقف، بدلاً من أن يصبّوا جهودهم نحو الأهداف الأساسية، الكاسرة حدود الطوائفية والمذهبية.
ساد، في الأيام القليلة الماضية، نوعان من المواضيع في بيروت. الأول متعلقٌ بحجاب الوزيرة الجديدة، عناية عز الدين. بدأ النقاش إعلامياً، قبل أن يتحوّل إلى مواقع التواصل الاجتماعي. بدا خلال ذلك، وكأن السيدة اللبنانية المحجبة "مخلوقةٌ فضائية"، وكأن بعض اللبنانيين لم يروا في حياتهم امرأةً محجبة. الأمر سخيف حقاً حين يتمّ طرحه من هذا المنظار. حسناً، ولو كانت عز الدين محجبةً أو غير محجّبة، ألا يتعلق الأمر بحريّةٍ شخصية لكل فرد، مهما كانت التشابكات كثيفةً حول مفهوم هذه الحرية؟ ألا يحقّ لها، وفقاً لمشيئتها، عدم المصافحة باليد أو المصافحة؟ ألا يحقّ لهذه المرأة، وغيرها، التقدّم مهنياً ومجتمعياً ضمن معاييرها الخاصة التي لا تؤذي أحداً، ولا تخرق القوانين؟ بالطبع يحقّ لها.
الآن، كيف يُمكن تفسير دفاع بعضهم عن الوزيرة، عبر التطاول على آخرين باسم "الحرية الشخصية"، وإهانة السيدات غير المحجّبات؟ من حدّد فعلياً ما هو الصح أو الخطاً؟ أليست "الحرية الشخصية" شاملةً، ولا تقتصر على فرد أو فئة أو مجموعة؟ وألا تعني أن دفاعنا عن حق المرأة في الحجاب كدفاعنا عن حق امرأة أخرى بعدم ارتدائه؟ ماذا عن "النمطية" أو "الشمولية" في عملية الدفاع أو التهجّم؟ هل إذا انتقد شخصٌ ما شخصاً آخر، وعن غير وجه حقّ، يُصبح حلالاً اتهام مجموعةٍ بكاملها، فقط لأنها تسكن في الحيّز الجغرافي الذي ينتمي إليه "المُهاجم"، أو لأنه ينتمي إلى مذهب هذه المجموعة؟ لا يحقّ لمن رفع لواء الدفاع عن حرية عز الدين انتقاد فئة كاملة أو تجريحها بسبب شخص. أصابعنا لا تشبه بعضها، فكيف بالأفراد؟
الموضوع الثاني مرتبط بعطلة عيد الميلاد. في هذا الصدد، يدور جدالٌ طائفي، حول كيفية سماح الدولة بعطلة ميلادية وعطلة لرأس السنة لدى المسيحيين، في مقابل عدم السماح بعطلة عيد المولد النبوي لدى المسلمين. حسناً، يبدو أن بعضهم، مسلمين ومسيحيين، مصابٌ بعقدة الاضطهاد، وأن هناك استهدافاً لطائفة معيّنة. من حق أي فردٍ أو مجموعةٍ التساؤل بشأن غياب العدالة في توزيع العطل الدينية رسمياً في لبنان، ومن حق أي فردٍ أن يجد جواباً شافياً على أسئلته. لكن، ألم يجد بعض هؤلاء أن المشكلة لا تكمن هنا، في العطل؟ ألا تدركون أن الطبقة الحاكمة، هي نفسها، من أشعلت صراعاً طائفياً، بسبب إلغائها عطلة يوم الجمعة العظيمة لدى المسيحيين؟ ألم تدركوا أن هناك محاولات مستميتة لجعلكم تتناحرون طائفياً ومذهبياً، لإلهائكم عن القضايا الاجتماعية الملحّة، تحديداً القضايا الطبية، العابرة للطوائف والمذاهب؟ ألا تعلمون أن من يفترض أن يمثلكم مذهبياً مشارك في ترسيخ صورة الاضطهاد، لكي ينتفع منكم في تعهّداتٍ والتزاماتٍ مالية خاصة، ثم يعود و"يشتري" أصواتكم في أقرب انتخاباتٍ نيابية، ويترككم غارقين في النفايات والبؤس وزحمة السير والتلوّث البيئي؟ اعلموا أن من يحكمنا، مسيحيين ومسلمين، لا يسأل عن حقوقٍ مهدورة، أو حجابٍ أو عطلة دينية، بل يستغل "اضطهادنا" المذهبي، ليبقى ويستمر. أما نحن، فنبدو كتجمّعات سمك "البيرانا"، نأكل كل شيء يُرمى إلينا، فقط لأنه يُرمى، لا لأننا نحتاجه.
ساد، في الأيام القليلة الماضية، نوعان من المواضيع في بيروت. الأول متعلقٌ بحجاب الوزيرة الجديدة، عناية عز الدين. بدأ النقاش إعلامياً، قبل أن يتحوّل إلى مواقع التواصل الاجتماعي. بدا خلال ذلك، وكأن السيدة اللبنانية المحجبة "مخلوقةٌ فضائية"، وكأن بعض اللبنانيين لم يروا في حياتهم امرأةً محجبة. الأمر سخيف حقاً حين يتمّ طرحه من هذا المنظار. حسناً، ولو كانت عز الدين محجبةً أو غير محجّبة، ألا يتعلق الأمر بحريّةٍ شخصية لكل فرد، مهما كانت التشابكات كثيفةً حول مفهوم هذه الحرية؟ ألا يحقّ لها، وفقاً لمشيئتها، عدم المصافحة باليد أو المصافحة؟ ألا يحقّ لهذه المرأة، وغيرها، التقدّم مهنياً ومجتمعياً ضمن معاييرها الخاصة التي لا تؤذي أحداً، ولا تخرق القوانين؟ بالطبع يحقّ لها.
الآن، كيف يُمكن تفسير دفاع بعضهم عن الوزيرة، عبر التطاول على آخرين باسم "الحرية الشخصية"، وإهانة السيدات غير المحجّبات؟ من حدّد فعلياً ما هو الصح أو الخطاً؟ أليست "الحرية الشخصية" شاملةً، ولا تقتصر على فرد أو فئة أو مجموعة؟ وألا تعني أن دفاعنا عن حق المرأة في الحجاب كدفاعنا عن حق امرأة أخرى بعدم ارتدائه؟ ماذا عن "النمطية" أو "الشمولية" في عملية الدفاع أو التهجّم؟ هل إذا انتقد شخصٌ ما شخصاً آخر، وعن غير وجه حقّ، يُصبح حلالاً اتهام مجموعةٍ بكاملها، فقط لأنها تسكن في الحيّز الجغرافي الذي ينتمي إليه "المُهاجم"، أو لأنه ينتمي إلى مذهب هذه المجموعة؟ لا يحقّ لمن رفع لواء الدفاع عن حرية عز الدين انتقاد فئة كاملة أو تجريحها بسبب شخص. أصابعنا لا تشبه بعضها، فكيف بالأفراد؟
الموضوع الثاني مرتبط بعطلة عيد الميلاد. في هذا الصدد، يدور جدالٌ طائفي، حول كيفية سماح الدولة بعطلة ميلادية وعطلة لرأس السنة لدى المسيحيين، في مقابل عدم السماح بعطلة عيد المولد النبوي لدى المسلمين. حسناً، يبدو أن بعضهم، مسلمين ومسيحيين، مصابٌ بعقدة الاضطهاد، وأن هناك استهدافاً لطائفة معيّنة. من حق أي فردٍ أو مجموعةٍ التساؤل بشأن غياب العدالة في توزيع العطل الدينية رسمياً في لبنان، ومن حق أي فردٍ أن يجد جواباً شافياً على أسئلته. لكن، ألم يجد بعض هؤلاء أن المشكلة لا تكمن هنا، في العطل؟ ألا تدركون أن الطبقة الحاكمة، هي نفسها، من أشعلت صراعاً طائفياً، بسبب إلغائها عطلة يوم الجمعة العظيمة لدى المسيحيين؟ ألم تدركوا أن هناك محاولات مستميتة لجعلكم تتناحرون طائفياً ومذهبياً، لإلهائكم عن القضايا الاجتماعية الملحّة، تحديداً القضايا الطبية، العابرة للطوائف والمذاهب؟ ألا تعلمون أن من يفترض أن يمثلكم مذهبياً مشارك في ترسيخ صورة الاضطهاد، لكي ينتفع منكم في تعهّداتٍ والتزاماتٍ مالية خاصة، ثم يعود و"يشتري" أصواتكم في أقرب انتخاباتٍ نيابية، ويترككم غارقين في النفايات والبؤس وزحمة السير والتلوّث البيئي؟ اعلموا أن من يحكمنا، مسيحيين ومسلمين، لا يسأل عن حقوقٍ مهدورة، أو حجابٍ أو عطلة دينية، بل يستغل "اضطهادنا" المذهبي، ليبقى ويستمر. أما نحن، فنبدو كتجمّعات سمك "البيرانا"، نأكل كل شيء يُرمى إلينا، فقط لأنه يُرمى، لا لأننا نحتاجه.