02 نوفمبر 2024
لبنان.. صندوق البريد
لم يعد ممكناً تأجيل المواجهة "الحتمية" بين السعودية وحزب الله. هذا ما بدا في تفاصيل الأسبوع الأخير. كان واضحاً أن الأمور ستصل إلى الوضع الحالي. تغريدات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، مجرد تفصيل في هذا الصدد، لا بل كانت بمثابة "إعلام" ما كان محتوماً للأيام الحالية. لم يعد ممكناً تجاوز هذه المرحلة، من دون حصول صدامٍ ما يؤدي إلى تسويةٍ ما. ليس بالضرورة أن يكون الصدام عسكريا، فالأساس اقتصادي وسياسي.
بالنسبة للسعوديين، فإن جو المعركة الحالية ضد حزب الله مختلفٌ عن أساليب العمل السابقة، تحديداً لناحية الردّ عبر سحب الرعايا والحرب الإعلامية. يريد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الانتقال إلى المرحلة التالية. المرحلة الاقتصادية التي يفترض أن تُشكّل "ضربةً مؤلمة" للاقتصاد اللبناني، ففي حال مُنع اللبنانيون المقيمون في السعودية من تحويل أموالهم إلى لبنان، أو سُحبت ودائع سعودية من المصارف اللبنانية، أو رُحّل لبنانيون من المملكة، فإن الأمر سيُشكّل كارثةً كبرى في الحياة الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية. والدليل على إمكانية تطوّر الصدام بين لبنان والسعودية، هو طلب الرئيس ميشال عون من الهيئات الاقتصادية في البلاد "التفتيش عن أسواق جديدة"، ما يوحي أن التوتر بين بيروت والرياض سيتصاعد تدريجياً.
بعيداً عن الروح الوطنية السائدة في لبنان، واعتبار أن الخطوات السعودية، خصوصاً لناحية "احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض"، حسبما أعلنت السلطات اللبنانية، بمثابة "اعتداء على السيادة"، إلا أن الوضع الحالي يحتّم فعلياً بحث مسألة علاقة لبنان بالمحاور الإقليمية. فتاريخ البلاد، خصوصاً في مرحلة ما بعد استقلال 1943، مزيجٌ فاقعٌ من "الخوف من محور" أو "التبعية لمحور"، وهو ما أدى فعلياً إلى تكريس المنطق الرمادي في تركيبة السلطات في الداخل، وفي علاقة لبنان واللبنانيين بالمحيطين الإقليمي والدولي. وبالتالي استجرار الأزمات المتلاحقة، استناداً إلى ضعف النظام اللبناني التنفيعي الذي ميّز بين مواطنيه، ولا زال، لأسباب طائفية ومناطقية، أدت إلى وقوع حروبٍ وفِتن، وتدخلات عسكرية دولية وعربية وإسرائيلية، وتحوّل البلاد صندوق بريد، يُراد منه توجيه الرسائل الإقليمية، وصولاً إلى سلاح حزب الله الذي بات على طاولة البحث بالنسبة للسعودية.
يُفترض أن يؤدي ذلك كله إلى أمرٍ من اثنين، إما الاقتناع مرة واحدة بأولوية لبنان على حساب الأولوية لدول إقليمية، أو استمرار الأزمات الخارجية وانعكاسها على الداخل اللبناني. يستلزم الخيار الأول عقداً اجتماعياً جديداً، يسمح فيه للبنانيين بالعيش في دولةٍ ذات قوانين واحدة، لا دويلات بقوانين متعدّدة. هذا الخيار هو أساس في إرضاء المجموعات اللبنانية، بحكم سلطة القانون، بعيداً عن توافقيةٍ مبتذلة، ويسمح بإخراج من توهّم أن الخارج يؤمّن ديمومته، من الانتماء الخارجي، والعودة إلى الداخل اللبناني. أما الخيار الثاني، المتعلق باستمرار الأزمات، فلا يعني أكثر من "لعبة كراسي موسيقية"، تتنقل فيها السلطة في كل زمنٍ إلى طائفة، تستخدم فائضها من القوة ضد من يعاديها، من الطائفة ذاتها أو من خارجها، كانتحار ذاتي متكرّر ودموي.
لن تكون المرحلة المقبلة سهلة. سيشتد الضغط على لبنان، فالسعودية ليست في وارد الخسارة أو تقبّلها. بالنسبة إليها، هذه الخسارة انتصار لإيران. في المقابل، ليس من مصلحة أحد توظيف الوحدة الوطنية الحالية، لصالح تسليم البلاد بالكامل لإيران أو لغيرها. قوة البلاد لا تنبع من الولاء لخارجٍ يريد استغلالها لمصالحه، واستخدامها أدوات، لا معاملتها من الندّ للند، بل من وحدتها، مهما كان هذا المصطلح مستهلكاً. الواقعية السياسية مطلوبة، لكن الانبطاح أمام الخارج غير مطلوب. هذه مشكلة لبنان الأساسية، ويستلزم الخروج منها الاقتناع بأن البلاد غير قادرة على أداء دورها صندوق بريد، وتستحقّ أن تكون دولةً مستقلةً بقرارٍ حرّ، مع معرفتها بقدراتها وحجمها.
بالنسبة للسعوديين، فإن جو المعركة الحالية ضد حزب الله مختلفٌ عن أساليب العمل السابقة، تحديداً لناحية الردّ عبر سحب الرعايا والحرب الإعلامية. يريد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الانتقال إلى المرحلة التالية. المرحلة الاقتصادية التي يفترض أن تُشكّل "ضربةً مؤلمة" للاقتصاد اللبناني، ففي حال مُنع اللبنانيون المقيمون في السعودية من تحويل أموالهم إلى لبنان، أو سُحبت ودائع سعودية من المصارف اللبنانية، أو رُحّل لبنانيون من المملكة، فإن الأمر سيُشكّل كارثةً كبرى في الحياة الاقتصادية والاجتماعية اللبنانية. والدليل على إمكانية تطوّر الصدام بين لبنان والسعودية، هو طلب الرئيس ميشال عون من الهيئات الاقتصادية في البلاد "التفتيش عن أسواق جديدة"، ما يوحي أن التوتر بين بيروت والرياض سيتصاعد تدريجياً.
بعيداً عن الروح الوطنية السائدة في لبنان، واعتبار أن الخطوات السعودية، خصوصاً لناحية "احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري في الرياض"، حسبما أعلنت السلطات اللبنانية، بمثابة "اعتداء على السيادة"، إلا أن الوضع الحالي يحتّم فعلياً بحث مسألة علاقة لبنان بالمحاور الإقليمية. فتاريخ البلاد، خصوصاً في مرحلة ما بعد استقلال 1943، مزيجٌ فاقعٌ من "الخوف من محور" أو "التبعية لمحور"، وهو ما أدى فعلياً إلى تكريس المنطق الرمادي في تركيبة السلطات في الداخل، وفي علاقة لبنان واللبنانيين بالمحيطين الإقليمي والدولي. وبالتالي استجرار الأزمات المتلاحقة، استناداً إلى ضعف النظام اللبناني التنفيعي الذي ميّز بين مواطنيه، ولا زال، لأسباب طائفية ومناطقية، أدت إلى وقوع حروبٍ وفِتن، وتدخلات عسكرية دولية وعربية وإسرائيلية، وتحوّل البلاد صندوق بريد، يُراد منه توجيه الرسائل الإقليمية، وصولاً إلى سلاح حزب الله الذي بات على طاولة البحث بالنسبة للسعودية.
يُفترض أن يؤدي ذلك كله إلى أمرٍ من اثنين، إما الاقتناع مرة واحدة بأولوية لبنان على حساب الأولوية لدول إقليمية، أو استمرار الأزمات الخارجية وانعكاسها على الداخل اللبناني. يستلزم الخيار الأول عقداً اجتماعياً جديداً، يسمح فيه للبنانيين بالعيش في دولةٍ ذات قوانين واحدة، لا دويلات بقوانين متعدّدة. هذا الخيار هو أساس في إرضاء المجموعات اللبنانية، بحكم سلطة القانون، بعيداً عن توافقيةٍ مبتذلة، ويسمح بإخراج من توهّم أن الخارج يؤمّن ديمومته، من الانتماء الخارجي، والعودة إلى الداخل اللبناني. أما الخيار الثاني، المتعلق باستمرار الأزمات، فلا يعني أكثر من "لعبة كراسي موسيقية"، تتنقل فيها السلطة في كل زمنٍ إلى طائفة، تستخدم فائضها من القوة ضد من يعاديها، من الطائفة ذاتها أو من خارجها، كانتحار ذاتي متكرّر ودموي.
لن تكون المرحلة المقبلة سهلة. سيشتد الضغط على لبنان، فالسعودية ليست في وارد الخسارة أو تقبّلها. بالنسبة إليها، هذه الخسارة انتصار لإيران. في المقابل، ليس من مصلحة أحد توظيف الوحدة الوطنية الحالية، لصالح تسليم البلاد بالكامل لإيران أو لغيرها. قوة البلاد لا تنبع من الولاء لخارجٍ يريد استغلالها لمصالحه، واستخدامها أدوات، لا معاملتها من الندّ للند، بل من وحدتها، مهما كان هذا المصطلح مستهلكاً. الواقعية السياسية مطلوبة، لكن الانبطاح أمام الخارج غير مطلوب. هذه مشكلة لبنان الأساسية، ويستلزم الخروج منها الاقتناع بأن البلاد غير قادرة على أداء دورها صندوق بريد، وتستحقّ أن تكون دولةً مستقلةً بقرارٍ حرّ، مع معرفتها بقدراتها وحجمها.