لبنان: خلوة حريرية في الرياض... وعون لن يتنازل لفرنجية

06 ديسمبر 2015
بدأ الحريري وضع اللمسات الحكومية لمرحلة فرنجية (حسين بيضون)
+ الخط -
يعقد زعيم تيار "المستقبل" اللبناني، سعد الحريري، خلوة جديدة مع قياديي تياره من وزراء ونواب في الرياض في سبيل فعل كل ما يلزم لترجمة الخلوة الأولى التي عُقدت قبل ثلاثة أسابيع في باريس بينه وبين حليف نظام بشار الأسد، رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، وما تلاها من تبني الحريري لاسم الأخير كرئيس للجمهورية. وفي الاجتماع العتيد المنوي عقده في الرياض، ثمة قنبلة أخرى ستنفجر وهي إبلاغ المستقبليين سير زعيمهم بهذا الخيار "بمن يرضى"، وتكليف القياديين بمهمّة التواصل مع الأفرقاء اللبنانيين وإدارة ملفات العلاقات السياسية للترويج لهذا الخيار الذي بات يحظى بموافقة أميركية كنسية فرنسية سعودية... من دون أن ترضى به حتى الآن أقوى شخصيات وأحزاب مسيحية لبنانية. وعلى جدول أعمال خلوة الرياض، إعداد اللوائح الوزارية المقبلة كخطوة عملية لتنفيذ المشروع الوطني الجديد وإنهاء الشغور الرئاسي المستمرّ منذ مايو/ أيار 2014.

اقرأ أيضاً: لبنان: داعمو انتخاب فرنجية للرئاسة يُناقشون توزيع الحقائب الوزارية 

في فريق 14 آذار وبين حلفاء الحريري، ثمة حسم فعلي بأنّ الإتيان بفرنجية رئيساً ماضٍ إلى التنفيذ على الرغم من العقبات الميثاقية التي تواجه الخطوة، المتمثّلة تحديداً في معارضة الكتل المسيحية لخيار فرنجية. لكن في أوساط الحريري تأكيد على أنّ الثلاثي المسيحي، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميّل ومعه حزب الكتائب، لن يتمكّن من الصمود في تصويت المجلس النيابي. وفي هذا الإطار، تبلّغ المستقبل من حزب الله رفض الأخير ممارسة أي ضغط على حليفه عون (رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية) لتأمين غطاء تسوية فرنجية، بحسب ما تقول مصادر مستقبلية لـ"العربي الجديد". وتضيف هذه المصادر أنّ حزب الله طلب من المستقبل الإسراع في إعداد "عروض سياسية" لعون بهدف إقناعه ونيل موافقته على اسم فرنجية، وهي موافقة تحفظ ماء وجه الحزب مع حليفه الأبرز (عون) وتؤمّن الشرعية الميثاقية (موافقة الطائفة المسيحية) للتسوية. ومن المفترض أن يكون سؤال "كيف نرضي عون؟" مادة رئيسية في اجتماع الحريري بأعوانه. 

وسبق للمستقبليين أنّ أعدّوا ورقة بالتنازلات الممكن تقديمها لعون، وأبرز نقاطها الموافقة بلا نقاش على توزير صهريه، الوزير الحالي جبران باسيل والقائد السابق لفوج المغاوير في الجيش، العميد المتقاعد شامل روكز، ومنحه ثلاث وزارات رئيسية منها وزارة الدفاع (لروكز). بالإضافة إلى ملف قانون الانتخابات النيابية وكل "ما يمكن أن يساهم في إشعار عون بالأمان السياسي وحفظ موقعه في التركيبة السياسية العتيدة". مع تركيز المساعي وتفعيلها بهدف إنهاء ملف الرئاسة وإنضاج التسوية في أقرب وقت ممكن، إذ بدا لمعدّي هذه التسوية 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري موعداً ممتازاً، إذ سبق وحدّده بري موعداً لعقد الجلسة الثالثة بعد الثلاثين لانتخاب رئيس للجمهورية.

اقرأ أيضاً: لبنان: قياديون في 14 آذار ينعون تسوية الحريري-فرنجية

يوضح ذلك أنّ المستقبل مستعدّ لتقديم تنازلات كبيرة من أجل المضيّ في تنصيب فرنجية رئيساً للجمهورية، تحت ذرائع وعناوين عديدة سبق للحريري أن قدّمها للمستقبليين وحلفائهم، بغض النظر عن قدرته على إقناعهم. فالزعيم يريد العودة إلى بيروت بعد أن اختار أن ينفي نفسه من لبنان منذ خروجه من رئاسة الحكومة عام 2010، بعد إسقاطها بانسحاب وزراء حزب الله وفريق 8 آذار منها. كما أنّ دوافع التسوية، بحسب الحريري ومن معه، تنطلق من تأمين استقرار لبنان بعيداً عن الحرب السورية وكل ما يجري في محيطه. بالإضافة إلى اعتبار هذا الفريق أنّ وصول فرنجية إلى الرئاسة يعني تمهيد الطريق أمام إسقاط الأسد في سورية، وهي النظرية السياسية التي لا تزال غير مفهومة بالنسبة لكثيرين.

حرص المستقبل على تمرير تسوية فرنجية، بدا واضحاً أمس في كلام الأمين العام للتيار، أحمد الحريري، الذي أشار إلى أنه "إذا فشلت المبادرة في الوصول إلى التسوية واستمر الفراغ لأشهر مقبلة، فلن ينتخب رئيس للجمهورية على نار باردة، بل سيُنتخب بالدماء. فهل نريد أن نكرر حرباً أهلية ثانية؟". كما أكد الحريري على أنّ لا ضمانات من عدم تغيير النظام اللبناني من مناصفة بين المسيحيين والمسلمين إلى مثالثة بين المسيحيين والسنة والشيعة في حال عدم سريان التسوية، أي نسف النظام اللبناني واتفاق الطائف. بما يحمل هذا الكلام من تهويل وتهديد بوقوع حرب أهلية في لبنان، وتخويف من تغييرات ممكنة في حال الفشل، في حين أنّ كل المؤشرات الدولية والداخلية تدل منذ سنوات على أنّ الساحة اللبنانية محصّنة بوجه أي انفجار وأنّ سحب الفتيل منها قد تمّ. كما أنّ إشعال الجبهة اللبنانية أمر غير وارد، باعتبار أنّ الطرف الوحيد القادر على ذلك هو حزب الله المنشغل عسكرياً وأمنياً خلف الحدود.

اقرأ أيضاً: ورقة رئاسة فرنجيّة في لبنان: انقلاب يمهّد لترويكا سوريّة

بالتالي، فإنّ المستقبل يستنفر كل الخطوات والخطابات والأساليب السياسية للضغط في اتجاه تسويق التسوية وتمريرها. وفعلياً بات مصير هذه الطبخة بيد عون الذي لم يحسم خياره بعد بين التمسّك بترشحه من جهة أو التنازل عن المقعد الرئاسي وتحقيق مكاسب أخرى. وفي حال ظلّ عون على موقفه، فإن جبهة مسيحيةً قوية تقف بوجه التسوية، تمنع انتخاب فرنجية بالأرقام والأعداد في البرلمان (باعتبار أنّ كتلة حزب الله تقف إلى جانبه). وبحسب مناخ الرابية (مقرّ إقامة عون شرقي بيروت)، فإنّ عون لا يزال غير مقتنع بالتسليم لفرنجية كون ذلك يعني أيضاً إضعاف حيثيّته على المستوى المسيحي، إضافة لطموحه الرئاسي، الأمر الذي دفعه إلى القول إنّ "فريق 8 آذار يسمّي مرشحه الرئاسي وليس فريق 14 آذار". 

وبحسب ما ينقل زوار الرابية لـ"العربي الجديد"، فإنّ ثمة من همس في أذُن عون قبل أيام، لإقناعه بخيار ترشيح صهره شامل روكز للرئاسة، أي وضع المزيد من العقبات أمام الحلّ الرئاسي. لكن أحد أبرز المقرّبين من عون، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "عون ليس بوارد تغيير موقفه وباقٍ على ترشّحه"، مشيراً إلى أنّ عون يخوض هذا الاستحقاق كـ"عسكري لا يمكن أن يسقط إلا في المعركة". كما أنّ القوات اللبنانية تبحث عن وضع العثرات اللازمة أمام وصول فرنجية للرئاسة، ووصلت الأمور إلى حد خوض نقاش قواتي وبين مسيحيي 14 آذار لإمكانية ترشيح رئيس القوات، سمير جعجع، لعون في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي ينسف مبادرة سعد الحريري من أساسها ويعيد الأمور إلى الصفر على اعتبار أنّ هذه الخطوة تعيد خلط الأوراق والاصطفافات. لكن هذا الطرح خيار انتحاري أيضاً، إذ بات قطبا 14 آذار، الحريري وجعجع، يخوضان معركة على تسمية رئيس من الفريق الخصم. ما يعني في الشكل، أنّ الرئاسة ذاهبة لخصومهما بكل الأحوال، وفي المضمون أنّ هذا الفريق قد انتهى، وهي خلاصة باتت ثابتة كيفما انتهت لعبة البورصة السياسية التي تطرح فرنجية للرئاسة. 

المساهمون