09 نوفمبر 2024
لبنان .. حكومة اللون الواحد
صار للبنان رئيس حكومة مكلف آتٍ من الوسط التربوي. طبعاً، عملية إنقاذ مفترضة لوضعٍ اقتصادي مُنهك تحتاج إلى شخص اقتصادي، لا أكاديمي، يتبع نظريات حداثوية في علم الاقتصاد، لا الرأسمالية المتوحشة التي دمّرت النظام المالي اللبناني. هذا لا يهمّ، فالتعاطي الرسمي الدولتي مع تسمية حسّان دياب خلفاً لسعد الحريري لم يأتِ لأسباب مالية أو اقتصادية، أو بهدف تخليص البلد من أزمته، بل جاء من خلفية مواجهة مع الولايات المتحدة، بحسب أدبيات فريق 8 آذار، الممسك تلابيب السلطة في بيروت. إذاً، كي نخرج من تردّي وضعية المصارف اللبنانية، وتدهور مؤشراتها لدى مؤسسات التقييم الدولية، وقوننة سحوبات المواطنين من ودائعهم الخاصة، والغلاء المتفاقم، علينا تسعير الجبهة مع الأميركيين، ولو أنهم من بدأوا، كي نقول إن "البلد في خطر". وحين نقوم بردّ فعل، لا فعل، نخسر دائماً.
حسناً، بتنا قريبين من حكومة مواجهةٍ عملياً، ماذا بعد؟ لا شيء. لن يتمكّن هؤلاء الذين فرضوا اسم مرشّح محدّد لرئاسة الحكومة من تغيير الوضع الاقتصادي. هذا لا يعني أن الأحزاب التي شاركتهم السلطة في السابق، وباتت تعارضهم الآن، أفضل منهم. الجميع يتحمّل مسؤولية ما وصل إليه البلد، لكن حسّان دياب سيكون "مدير التفليسة" الحقيقي. إنه قدر مأساوي لدياب الذي أراد الحصول على منصبٍ يشتهيه كثر، في السياق الطبيعي اللبناني العاشق للمناصب. ولكن دياب لا يعتقد أن كرة النار التي سُلّمت إليه ليست كرة نار بالنسبة إليه، الأمر متعلق بالاستقبالات والزيارات والمقابلات والضحكات وتوزيع الابتسامات.
لن يجلس دياب مثلاً مع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وجمعية المصارف اللبنانية، لفرض رؤيته للحلّ، إذا وُجدت، بل سيستمع إليهما، ثم سيعود إلى مجلس الوزراء، إذا تمّ تشكيله، وسيتحدّث وسيقاطعه وزراء أشاوس، ثم يُرمى الملف في أدراج السراي الحكومي، في وسط بيروت. سيعود إلى منزله سائلاً نفسه "هل كنت جيداً اليوم؟ هل تمكّنت من اتخاذ صورة جميلة لي؟". وينام كطفلٍ سعيد. في الواقع، يا سادة، لا نحتاج إلى مزيد من أمثال هؤلاء السياسيين، لأن لدينا ما يكفي منهم، وهم الذين صنعوا انتفاضة لبنان بسلوكهم المشين وسرقاتهم ولامبالاتهم بحقوق الناس. لا نحتاج بعد اليوم إلى من يوحي لنا أنه استقلالي وسياديّ وحرّ، وهو ينتظر إشارةً من واشنطن أو طهران للتصويت على قانونٍ متعلقٍ بالشعب اللبناني مثلاً.
أما بالنسبة لهؤلاء الذين يتحدّثون عن "ميثاقيةٍ" طائفيةٍ في تركيبة الحكم، فها قد جرّبنا المسيحي القوي والسنيّ القوي والشيعيّ القوي والدرزيّ القوي، وحصدنا لبنان ضعيفا. هؤلاء ليسوا أقوياء، بل مجرّد صنّاع أوهام طائفية لتحييدنا عن التفكير بمنطق المواطنة، وبعض الإعلام، سواء عن سوء نية أو من دون قصد، يشاركهم هذا الوضع. اسألوا أنفسكم بكل بساطة: ماذا حصدنا من عهد الأقوياء؟ على عهد الأقوياء، بتنا أقرب إلى الموت. وعلى عهد الأقوياء، تحكمنا المصارف. وعلى عهد الأقوياء، ارتفعت أسعار السلّة الغذائية والطبابة والتعليم، من دون أن تكون متوفرة بشكل كافٍ لكل المواطنين. على عهد الأقوياء، نُقتل في الشوارع كل يوم، وتحاصرنا الأمطار بسبب سوء البنى التحتية.
علينا دفن مفهومي الميثاقية والديمقراطية التوافقية إلى الأبد، لأن لا مواطنة حقيقية بوجودهما، بل ترسيخ المزيد من التفرقة الطوائفية والعنصرية بين اللبنانيين باسم "الحقوق الطائفية". لا يمكننا، بعد شهرين ونيّف على انتفاضة 17 أكتوبر، البقاء أسرى مفاهيم لا تحمينا باعتبارنا مواطنين، بل تدمّرنا بوصفنا مجتمعات. لا يمكننا تحت أي ظرف الاعتقاد بأن عملية تشكيل حكومة تعني بدء رحلة الإنقاذ. بالعكس تسمية حسّان دياب بداية مرحلة جديدة من التوترات بين السلطة والشعب، حتى إشعار آخر.
لن يجلس دياب مثلاً مع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، وجمعية المصارف اللبنانية، لفرض رؤيته للحلّ، إذا وُجدت، بل سيستمع إليهما، ثم سيعود إلى مجلس الوزراء، إذا تمّ تشكيله، وسيتحدّث وسيقاطعه وزراء أشاوس، ثم يُرمى الملف في أدراج السراي الحكومي، في وسط بيروت. سيعود إلى منزله سائلاً نفسه "هل كنت جيداً اليوم؟ هل تمكّنت من اتخاذ صورة جميلة لي؟". وينام كطفلٍ سعيد. في الواقع، يا سادة، لا نحتاج إلى مزيد من أمثال هؤلاء السياسيين، لأن لدينا ما يكفي منهم، وهم الذين صنعوا انتفاضة لبنان بسلوكهم المشين وسرقاتهم ولامبالاتهم بحقوق الناس. لا نحتاج بعد اليوم إلى من يوحي لنا أنه استقلالي وسياديّ وحرّ، وهو ينتظر إشارةً من واشنطن أو طهران للتصويت على قانونٍ متعلقٍ بالشعب اللبناني مثلاً.
أما بالنسبة لهؤلاء الذين يتحدّثون عن "ميثاقيةٍ" طائفيةٍ في تركيبة الحكم، فها قد جرّبنا المسيحي القوي والسنيّ القوي والشيعيّ القوي والدرزيّ القوي، وحصدنا لبنان ضعيفا. هؤلاء ليسوا أقوياء، بل مجرّد صنّاع أوهام طائفية لتحييدنا عن التفكير بمنطق المواطنة، وبعض الإعلام، سواء عن سوء نية أو من دون قصد، يشاركهم هذا الوضع. اسألوا أنفسكم بكل بساطة: ماذا حصدنا من عهد الأقوياء؟ على عهد الأقوياء، بتنا أقرب إلى الموت. وعلى عهد الأقوياء، تحكمنا المصارف. وعلى عهد الأقوياء، ارتفعت أسعار السلّة الغذائية والطبابة والتعليم، من دون أن تكون متوفرة بشكل كافٍ لكل المواطنين. على عهد الأقوياء، نُقتل في الشوارع كل يوم، وتحاصرنا الأمطار بسبب سوء البنى التحتية.
علينا دفن مفهومي الميثاقية والديمقراطية التوافقية إلى الأبد، لأن لا مواطنة حقيقية بوجودهما، بل ترسيخ المزيد من التفرقة الطوائفية والعنصرية بين اللبنانيين باسم "الحقوق الطائفية". لا يمكننا، بعد شهرين ونيّف على انتفاضة 17 أكتوبر، البقاء أسرى مفاهيم لا تحمينا باعتبارنا مواطنين، بل تدمّرنا بوصفنا مجتمعات. لا يمكننا تحت أي ظرف الاعتقاد بأن عملية تشكيل حكومة تعني بدء رحلة الإنقاذ. بالعكس تسمية حسّان دياب بداية مرحلة جديدة من التوترات بين السلطة والشعب، حتى إشعار آخر.