لبنان: انقلاب أدوار المظلومية

09 أكتوبر 2017
أسس الحزب لواقع عسكري موازٍ للسلطة اللبنانية(محمود زيات/فرانس برس)
+ الخط -
أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، حسن نصرالله، في خطابه الأخير، أن هذا العصر هو "عصر الدم والسيف وكلاهما ينتصر"، وأن "محورنا اليوم أقوى حالاً نسبةً إلى أي زمن مضى". هل نعى نصرالله بكلامه عهد المظلومية الشيعية؟ وهل انتهت مرحلة الاستضعاف التي يرجعها الشيعة إلى عوامل طائفية ثم سياسية، إلى غير رجعة في بلدان المنطقة؟

طوال سنوات وجوده، وجد الحزب أنه والشيعة اللبنانيون مظلومون إنمائياً وسياسياً، وأن ظالمهم هو نظام الإقطاع الذي كان سائداً في الجنوب والدولة المركزيّة في العاصمة بيروت. ومظلومون من العصابات الإسرائيلية التي استباحت الجنوب، قبل أن تتحول العصابات إلى جيش والاعتداءات إلى احتلال. جمعت هذه العوامل ومعها التعبئة الطائفية المُستمرة، الكثير من الشيعة حول الحزب، وحقق عبرها تقدماً سياسياً وميدانياً لم يقتصر أثره على الداخل اللبناني فحسب. وإن اختلف المراقبون حول دور "حزب الله" في المنطقة وانتشاره العسكري (الميداني والاستشاري) في اليمن والعراق وسورية، فإن نصرالله قدّم حزبه خلال خطابه الأخير بوصفه "من جملة العوامل الأساسية لتحقيق الأمن الحقيقي لشعوب المنطقة".

لكن قراءة الواقع المحلي اللبناني تُظهر خلاف ذلك، مع تأسيس الحزب لواقع عسكري وأمني موازٍ للسلطة اللبنانية تحت عنوان مقاومة إسرائيل. وفقدت الدولة ما تبقى من سلطتها أمام جحافل الحزب في السابع من مايو/ أيار 2008، كما فقدت قرار الحرب والسلم في مواجهة إسرائيل وخلال التدخل العسكري المباشر للحزب في الحرب السورية.

وفي الحيّز المناطقي، تؤدي "سرايا المقاومة" التي أسسها الحزب لتنظيم المقاتلين "غير الشيعة" في صفوفه، أدواراً رئيسية في إقلاق الأمن والاستقرار في مُختلف المناطق اللبنانية. كما حوّلت "السرايا" آلاف العاطلين من العمل إلى زعماء أحياء محميّين بقوة سلاحهم الفردي وقوّة أمر الواقع المُتمثل بحزب الله. وفي ذلك تعارض واضح بين ما يُعلنه نصرالله وبين واقع الحال في لبنان على الأقل. وإنْ بشّر الأمين العام لـ"حزب الله" بعصر "السيف الشيعي" بعدما خدم شعار "انتصار الدم على السيف" في معركة كربلاء، الغايات السياسية له طوال عقود، فإن عهداً من المظلومية السنّية يلوح جلياً في الأفق بعد انكسار أمواج الربيع العربي في العراق وفي سورية وإحساس ملايين السنّة العرب بالضياع نتيجة الضعف الضارب في أكبر البلدان العربية والإسلامية.

المساهمون