أطلق سراح العشرات منهم على دفعات، بعد أشهر أو سنوات، وبقي الملف مفتوحاً مع الإبقاء على 300 موقوف ينتظرون محاكمتهم منذ اعتقالهم، أي عام 2007 أو 2008. نما هذا الملف وبات يحمل عنوان: "الموقوفون الإسلاميون في سجن روميه". تغذّى بفعل الكثير من الأحداث والخطط الأمنية، منها ما أتى بعد معركة عبرا (صيدا، جنوبي لبنان) أو جراء مداهمات أو اشتباكات في عرسال (شرقي لبنان، على الحدود اللبنانية ـ السورية)، وطرابلس (شمالي لبنان). لكن بقي لموقوفي نهر البارد الحصة الأكبر و"الأدسم" من هذه القضية.
يستمرّ توقيف 300 مواطن، متّهمين بالإرهاب، منذ تلك الأعوام، من دون محاكمة ولا إخلاء سبيل ولا أدنى حقوق مدنية أو إنسانية، بحسب ما تقول المحامية هدى سلهب، محامية عشرات الموقوفين الإسلاميين. من بين هؤلاء 160 موقوفاً خلال أحداث نهر البارد. ومن مجمل العدد، ثمة 150 موقوفاً "لم يحاكموا بعد على الرغم من مرور سبع سنوات على توقيفهم"، والعدد الآخر "صدرت بحقهم الأحكام لكن دون إبرامها أو تثبيتها"، على حد تعبير سلهب، خلال حديثها لـ"العربي الجديد".
تكمن أسباب المماطلة، على ما تقول سلهب، في "عدم قدرة المحاكم اللبنانية على استيعاب هذا الكمّ من القضايا والملفات"، في ظل طرح القضاء ذرائع أمنية من نوع عدم التمكّن من نقل الموقوفين إلى المحاكم، والخوف من أي اعتداء أو عملية تهريب لهم. وترك القضاء لنفسه هامش اللعب بالوقت تارة أخرى، من خلال بناء محكمة خاصة لهذه الملفات في سجن روميه.
عاد الملف ليتحرّك في الأشهر الأخيرة من 2013، فتحركت عجلة المحاكم. لكن "يا ليتها لم تتحرك"، إذ تشير سلهب إلى أنّ "المماطلة تُرجمت في أحكام قاسية تمتدّ بين الحكم بعشر سنوات أو خمسة عشرة سنة أو حتى المؤبد". وقد صدرت بعض الأحكام بتاريخ 13 يونيو/ حزيران الماضي، ويصفها الإسلاميون بأنها قاسية جداً، لأنها جاءت بمعظمها بالإعدام والسجن لمدى الحياة.
يُشير أحد المشايخ إلى أن هذه الأحكام "جائرة"، ويعطي مثلاً الحُكم على أحد الموقوفين بالإعدام رغم أنه لم يُشارك بالقتال. واللافت أنّ المجلس العدلي، أي المحكمة المدنية، تستكمل هذه المحاكمات بعد انتهاء التحقيقات العسكرية وإصدار أحكام القضاء العسكري. هكذا ينتظر أكثر من 300 شخص أخلى القضاء العسكري سبيلهم منذ سنوات، قرار المحاكم المدنية. كل ذلك، بحسب سلهب، مع العلم أنّ "أي متّهم بالمحكمة العسكرية لا يُقبل طلب إخلاء سبيله في حال كان مطلوباً في المجلس العدلي"، وهو ما لا يدفع، بلا أي شك أو تردد، إلى التأكيد على المماطلة السياسية في ملف الموقوفين الإسلاميين.
في هذا الإطار، يؤكد عضو هيئة العلماء المسلمين، الشيخ نبيل رحيم، لـ"العربي الجديد"، أنّ "حجم القرار السياسي كبير جداً في ما يخص المماطلة بالمحاكمة وإصدار أحكام قاسية بحق الموقوفين". يقول رحيم إنّ هؤلاء الأشخاص يدفعون ثمن "الصراع السياسي بين الطرفين الرئيسيين في البلد". أولت هذه القوى السياسية ملف "الإرهاب" الأهمية، وبات "الكل يحاول الضرب في هذا الملف علّه ينجح في تبييض صورته".
رحيم نفسه ذاق طعم التوقيف في روميه. هو متّهم، بحسب المواد القانونية، بـ"الاعتداء على أمن الدولة الداخلي، والقيام بأعمال إرهابية وبتمويلها، وبتأليف جمعية أشرار، وبالقتل ومحاولة القتل والسرقة"، أو بمحاولة القيام بكل ذلك.
يتشارك معظم الموقوفين هذه التهم. أمضى رحيم ثلاثة أعوام في السجن خرج بعدها بإخلاء سبيل. لا يزال، كغيره من الموقوفين الإسلاميين، ينتظر استكمال المحاكمة في المجلس العدلي. يعلم أنه بريء من هذه التهم وأنّ الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك، ربما إلى حين ترى الدولة أنّ بإمكانها إنهاء هذا الملف، لتنشغل بملفات أخرى.
يحافظ رحيم على هدوئه، على الرغم من لوعته الشخصية وإدراكه للظلم اللاحق بالموقوفين، أو بالقسم الأكبر منهم. يتحدث شيخ سلفي آخر عن "وجود 60 شخصاً مرتكبين من أصل 160 موقوفاً في قضية البارد". وبحسب المتحدث نفسه، "يستمرّ اعتقال 100 شخص بتعسّف ومن دون وجود أي قرائن أو دلائل على القيام بأي عمل يضرّ بالدولة وأمنها". ويوضح أنّ "معركة البارد شارك فيها ما يقلّ عن 75 مقاتلاً من فتح الإسلام"، لكن لا يمكن للدولة أن "تكشف عن هذا العدد الضئيل، باعتبار أنّ عدد قتلى الجيش الذين سقطوا في المعارك بلغ 163 شهيداً".
يعتبر الشيخ السلفي نفسه أنّ قيادة الجيش بحثت عن تضخيم الرقم والمعركة، لتبرير الخسائر البشرية في صفوفها، وتبرير المدة الزمنية للمعركة (خمسة أشهر)، فصدر عن وزير الدفاع في حينها، إلياس المرّ، أن الجيش قتل 222 "إرهابياً" واعتقل 220 آخرين متورطين معهم.
قد يوضح كل هذا سبب المماطلة القضائية في إقفال هذا الملف الذي كان من المفترض أن ينتهي منذ سنوات، فالدولة ومن خلفها القوى السياسية، بمختلف انتماءاتها وتلويناتها، تستمرّ في الإمساك به كورقة ضغط تُسحب عند كل مفترق طرق سياسي، لاستعمال الإسلاميين لهذا السبب أو ذاك.