يكتفي عضو المكتب السياسي في "المستقبل"، النائب السابق مصطفى علوش، بالقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "التأجيل تمّ لأسباب لوجستية، وتتعلّق تحديداً حول كيفية إجراء الانتخابات الداخلية، ولا أبعاد سياسية للتأجيل الذي فُرض علينا".
من جهتها، تشير مصادر قيادية مستقبلية إلى أنّ "العمل قد أنجز بشكل تام حول الوثيقة السياسية التي لم يعد ينقصها سوى قراءة نهائية قبل تقديمها في المؤتمر". ووفقاً للمصادر نفسها، فإن "التأخير الفعلي هو في النظام الداخلي وتحديد آلية الانتخاب وتحديد تمثيل المناطق والمؤتمرات في تنسيقيات المناطق اللبنانية ووضع آلية واضحة لتحديد حصص كل منطقة وعلى أي أساس يجب أن يحدّد عدد ممثليها".
باختصار يمكن القول إنّ تأجيل المؤتمر التنظيمي للمستقبل يأتي نتيجة غياب العمل التنظيمي لأكثر من خمسة أعوام، إذ كان يفترض أن تحدّد قيادة المستقبل هذه الآليات وترسم المسار التنظيمي للتيار بعد المؤتمر التأسيسي الذي عُقد في بيروت عام 2010. لكن مرّت ستّ سنوات حتى الآن والصيغة التنظيمية غير واضحة وتحتاج إلى شهر إضافي لإنجازها، وهو ما يدفع بعض المعارضين داخل التيار إلى السؤال عن "المهمات التي كانت موكلة إلى مسؤولي المستقبل طوال السنوات الماضية، وهل فترة شهر كفيلة بوضع آلية لم تُنجز خلال 72 شهراً؟".
وفي حال تمّ إنجاز هذه الآليات ووضعها قيد التنفيذ، تكون الخلاصة أنّ قيادة "المستقبل" لم تعمل طوال السنوات الستّ الأخيرة، وهو وما يمكن أن يبرّر النكسات الشعبية والانتخابية والسياسية التي تلحق بالتيار منذ ذلك الحين.
ويعد العنوان الأبرز في هذه النكسات الخسارة التي مني بها التيار في الانتخابات البلدية في مدينة طرابلس (شمالي لبنان)، والتي لا تزال آثارها مستمرة، تحديداً في مواجهة وزير العدل المستقيل، اللواء أشرف ريفي. ويبدو أنّ المعركة بين الطرفين في وتيرة متصاعدة، وبدأت تتّخذ أبعاداً شخصية.
نعى ريفي قبل أيام مشروع آل الحريري، مشيراً إلى أنّ "سعد الحريري انتهى، والسنّة ينتظرون حريري جديداً". كما أكد أنّ التواصل مقطوع بين الطرفين.
بدأ هذا الصراع يتّخذ شكل الصراع داخل الطائفة السنية وقياداتها، في حين جاء ردّ الحريريين على ريفي، بحسب ما يقول مقرّبون من الأخير لـ"العربي الجديد"، عبر محاولة إعاقة إقامة مهرجانات طرابلس التي تحييها بلدية المدينة المحسوبة على ريفي. يؤكد هؤلاء أنّ الفنان راغب علامة، الذي أطلق مهرجانات طرابلس بحفل فني، تعرّض لبعض الضغوط ولاتصالات من قياديين في "المستقبل" للانسحاب من المهرجان وإفشاله، على الرغم من تأكيد مسؤولي التيار أنّ اتصالا لم يتمّ في هذا الإطار.
مع العلم أنّ إدارة مهرجانات طرابلس وجّهت دعوات إلى نواب التيار ووزرائه وإلى المسؤولين فيه، من دون أن يلّبي أي منهم الدعوة، في مشهد عكس مقاطعة سياسية لهذا الحفل الفني الذي شكل حدثاً استثنائياً لكون اسم طرابلس ارتبط خلال العقد الأخير بالحالة الإسلامية والمعارك المسلّحة واحتضان الإسلاميين، حتى أنّ البعض كان يشبّه المدينة بـ"قندهار" في أفغانستان، ليأتي هذا المهرجان ويعكس صورة مختلفة تماماً عن طرابلس وأهلها.
وفي السياق، يقول ابن طرابلس، النائب السابق مصطفى علوش، إنّ "كل ما يتم الحديث عنه من ضغوط لإفشال المهرجان غير صحيح وهو من تأليف اللواء ريفي ومن حوله، ونحن أساساً نشجع أي نشاط من هذا النوع". ويسأل علوش "لماذا يدعونا ريفي إلى المهرجان طالما أنّ ثمة خلافاً معنا؟"، مؤكداً أنه شخصياً لم يتلقّ بالأساس دعوة لحضور المهرجان. ولو أنّ ردود علوش تؤكد على أنه ما كان ليحضر حتى لو وُجّهت إليه الدعوة.
تشير المعركة الحاصلة بين المستقبل وريفي إلى المأزق الذي بات فيه تيار آل الحريري، وحجم المعارك التي يجرّ نفسه إليها. فإذا كان خوض معركة في وجه ريفي في طرابلس أمراً طبيعياً، إلا أنّ مستوى هذا الصراع وأدواته وأسلوب إدارته يشير إلى أنّ التيار الأزرق أصبح يخوض معارك صغرى كما لو أنها حروب وجودية. وإذا كانت المواجهة مع ريفي مفهومة بالحد الأدنى، إلا أن محور القتال المستقبلي والدفاع عن هيبته ومشروعه السياسي تحوّل قبل شهرين، في أغسطس/ آب الماضي، إلى معركة قضائية بوجه ناشط مستقبلي وموظف سابق في التيار، يدعى يوسف قاسم، كان يدير صفحة على موقع "فايسبوك" بعنوان "صار لازم ترتاح" تسمّي عدداً من المسؤولين المستقبليين وتصفهم بغير الكفوئين.
وتحصل كل هذه المعارك الصغيرة وسط صخب إعلامي كبير، ليعلن "المستقبل" انتصاره على هذه الأطراف أو هذه الشخصيات في حين أن معركته الأساسية، بحسب أدبيات التيار، هي في انتخاب رئيس للجمهورية، ومواجهة حزب الله وسلاحه غير الشرعي والوقوف إلى جانب الشعب السوري.