وقال وزير العدل اللبناني، أشرف ريفي، لـ"العربي الجديد"، إنه "تمت مراعاة أوضاع المساجين وأهاليهم"، مشيراً إلى أنّ "أغلب المساجين آتون من بيئات فقيرة وأجواء معدومة، ويتحوّل قصاص المرتكبين إلى قصاص لأهاليهم أيضاً". فتأتي خطوة نقل أماكن سجن هؤلاء "في محاولة للتخفيف من بؤس العائلات وفي إطار إعادة التواصل بين المساجين وبيئاتهم وإعادة دمجهم".
وسبق لريفي أن تابع ملفات السجون، كونه خارجاً حديثاً من موقع المدير العام لقوى الأمن الداخلي (عام 2013)، إضافة لكونه ابن مدينة طرابلس (شمالي لبنان) المعنية بالدرجة الأولى بملفات الإسلاميين في السجون وقضايا أمنية أخرى، منها ما يُعرف بـ"أحداث طرابلس" والتوترات التي كانت تشهدها المدينة منذ 2005 نتيجة انتشار المجموعات المسلّحة فيها، والصراع السياسي-المذهبي بين هذه المجموعات (المحسوبة سنّية، داعمة للثورة السورية) والحزب العربي الديمقراطي (المحسوب على العلويين، حليف النظام في سورية).
وكانت أشرطة تعذيب رجال الأمن لعشرات المساجين في رومية قد انتشرت قبل شهر، مثيرة فضيحة سياسية وأمنية، نتجت عنها ردة فعل شعبية تحديداً في طرابلس. ولحقتها محاولة محاسبة من قبل وزارة الداخلية التي أعلنت عن توقيف خمسة من العناصر على ذمة التحقيق ومتابعة الملف من الجوانب كافة. مع تأكيد وزير الداخلية، نهاد المشنوق، على "عدم الاكتفاء بالعقوبات المسلكية بحق العناصر الأمنية التي مارست التعذيب، وإحالة ملفاتهم إلى القضاء لمعاقبتهم".
وتأتي خطوتا إطلاق سراح المساجين ونقل العشرات الآخرين، في إطار محاولة لملمة الأزمة التي وقعت بين تيار "المستقبل" وبيئته السنّية، باعتبار أنّ وزيري الداخلية والعدل، المشنوق وريفي، يمثّلان "المستقبل" في الحكومة. وفي هذا الإطار، لا يتأخر ريفي في التأكيد لـ"العربي الجديد" أنه "بعد هاتين الخطوتين لمسنا تدني الاحتقان عند الأهالي والمساجين"، مشيراً إلى أنه "في الأصل ثمة ما يكفي من احتقان داخل السجون"، مشدداً على ضرورة التعامل مع هذا الملف بحكمة.
ويكون تيار "المستقبل" سعى من خلال هذه "العيدية" إلى إعادة استيعاب الساحة السنّية التي كادت أن تنفجر بوجه مسؤوليه نتيجة فضيحة التعذيب، وتنقل الاحتقان إلى حدود مذهبية وطائفية يجد التيار نفسه بغنى عنها، في ظل الأزمة السياسية في البلد وما تشهده المنطقة من تطرّف وتشدّد.
اقرأ أيضاً: التعذيب في لبنان... قنبلة بين يدي تيار المستقبل
وفي هذا السياق، يشير أحد رجال الدين المطّلعين على صفقة رومية لـ"العربي الجديد، إلى أنّ "الترتيبات السياسية تمّت بين ثلاثي المستقبل المشنوق وريفي والأمين العام للتيار أحمد الحريري". وسبق للأخير خلال شهر رمضان أن شارك في أكثر من إفطار، ولا تزال أبوابه مفتوحة أمام جمهور "المستقبل" بصفته المعني الأول بالتواصل مع الناس في التيار. وساهم المشنوق في قرارات النقل، كما كان لريفي دور رئيسي في قرارات إخلاء سبيل خضر والصمد، في حين أدى الحريري دور التنسيق والتواصل مع الأهالي والمعنيين بهذا الملف.
ويكشف رجل الدين نفسه، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه "صدر عن القضاء قرارات بنقل عشرين سجيناً من رومية إلى سجون الشمال، والوعود بأن تشمل قرارات مدعي عام التمييز ستين آخرين". ويؤكد المصدر نفسه أنّ ذلك "ترك أجواء إيجابية"، مشدداً في الوقت عينه على أنّ "هذه الجهود لا تكفي، باعتبار أنّ مئات المساجين لا يزالون بلا محاكمات في ملفات تتعلّق بالطائفة السنّية". وهي الملفات المتعلقة بأحداث طرابلس وأحداث عبرا (اشتباكات الجيش اللبناني مع الشيخ الفار أحمد الأسير في صيدا جنوبي لبنان)، بالإضافة إلى ملفات عرسال والثورة السورية". وبالتالي فإنّ سنوات من عدم تطبيق القانون والالتزام بالمحاكمات أو حتى عدم التحقيق مع المساجين الإسلاميين، باتت تتدحرج ككرة ثلج في وجه الدولة اللبنانية بمختلف أحزابها السياسية أو حتى انتماءاتها المذهبية.
على صعيد آخر، عاش اللبنانيون على وقع زيارة أهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى "جبهة النصرة" في جرود عرسال (شرقي لبنان، عند الحدود مع سورية)، بعد دعوة من أمير الجبهة أبو مالك التلي. وتحدث أهالي العسكريين لـ"العربي الجديد" عن "معاملة جيدة يلقاها العسكريون لدى النصرة"، حتى إنهم تفاجأوا بعناصر التنظيم "يستنكرون كمية الطعام التي أخذها الأهالي معهم إلى الجرود" في رسالة واضحة من الجبهة بأنّ المؤن موجودة وطرقات الإمداد مفتوحة، في حين سبق لحزب الله أن أطلق قبل شهرين ما سماه "معركة تحرير جرود عرسال" والتي تم طمسها إعلامياً بعد أسبوعين من انطلاقها. وتبيّن للجميع أنّ لا معركة في جرود عرسال، وأنّ الوضع الميداني هادئ جداً، كما سبق لـ"العربي الجديد" أن نشرت في يونيو/حزيران الماضي عن ترسيم حدود بين "حزب الله" و"جيش الفتح" في القلمون في جرود عرسال، بالإضافة إلى تشييد دشم من الطرفين. الأمر الذي يعني انتهاء المعركة واعترافاً بضرورة وضع حد لحرب الاستنزاف في جرود عرسال.
وأتت زيارة الأهالي إلى الجرود "مريحة بحيث وصلوا إلى مكان احتجاز العسكريين بحافلة وعربتين متوسطتين"، ما يعني أنّ الموكب لم يكن بحاجة إلى المرور بطرقات وعرة كما هي حال طرقات الجرود الفاصلة بين لبنان وسورية. وهو ما يؤكد أنّ قيادة "النصرة" مرتاحة في تموضعها وفي مواقعها وأماكن انتشارها. وأبرز ما جاء في هذه الزيارة تأكيد التلي للأهالي أنّ "المفاوضات متوقفة بين الجبهة والدولة اللبنانية"، على الرغم مما أشيع إعلامياً خلال الأسبوع الأخير عن عودة الوساطات في هذا الملف.
اقرأ أيضاً: أزمة الحكومة اللبنانيّة: انعدام الثقة