لبنانيون يهربون في قوارب الموت

11 سبتمبر 2020
قارب مهاجرين وصل إلى قبرص سابقاً (أمير مكار/ فرانس برس)
+ الخط -

قبل أيّام، عادَت الى الواجهة قضية الهجرة السرية بحراً من لبنان إلى جزيرة قبرص أو غيرها من دول الاتحاد الأوروبي، وذلك باستخدام قوارب تنطلق من منطقة الميناء، في طرابلس (شمال). في تلك الواقعة، استقل ثلاثة وثلاثون شخصاً، من بينهم ثلاثة سوريين، و14 طفلاً و6 نساء، أحد القوارب تلك، لكنّ رحلتهم لم تنجح، بالرغم من وصولهم السبت الماضي إلى سواحل ليماسول القبرصية، فقد سقطوا بيد سلطات نيقوسيا التي أعادتهم الى لبنان بواسطة عناصر من خفر السواحل القبرصي بعد مشاورات مع السلطات اللبنانية. وقالت الشرطة القبرصية، الأحد الماضي، إنّ أربع سفن ظهرت قبالة الساحلين الشرقي والجنوبي للبلاد خلال اليومين الماضيين، وعلى متنها نحو 123 مهاجراً من لبنان وسورية، وسُمِحَ لنصفهم بالنزول، وأعيد 33 مهاجراً (30 لبنانياً، و3 سوريين) إلى لبنان، بموجب اتفاق لمنع المهاجرين من الوصول إلى الأراضي الأوروبية. كما أعلنت أنّها ألقت القبض على أربعة رجال في تلك المجموعة، ثلاثة من سورية، تبلغ أعمارهم 31 و25 و21 عاماً، ورابع من لبنان، 19 عاماً، للاشتباه في قيامهم بتهريب البشر، ويعتقد أنّهم أصحاب وطاقم القارب. وأعلنت قبرص، الاثنين الماضي، أنّها سترسل إلى بيروت وفداً للتباحث في سبل منع قوارب محمّلة بمهاجرين غير نظاميين من الإبحار من السواحل اللبنانية نحو الجزيرة المتوسطية.
في المقابل، أشار الجيش اللبناني، الثلاثاء الماضي، إلى أنّه "بناءً على معلومات توافرت لمديرية المخابرات تمكنت القوات البحرية في الجيش من إحباط عملية تهريب أشخاص عبر البحر إلى قبرص بطريقة غير شرعية، وقد تم رصد المركب في عرض البحر مقابل الشاطئ الشمالي، وكان على متنه مجموعة من الأشخاص معظمهم من الجنسية السورية بالإضافة إلى عدد من اللبنانيين". 

يكشف شاب من الميناء، فضل عدم الإعلان عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنّ وجهته كانت إيطاليا، واضطر الى دفع مبلغ يصل الى 900 دولار أميركي من أجل حجز مكان له في القارب، مشيراً إلى أن القارب ضمّ أكثر من خمسين شخصاً من الهاربين نتيجة تردي الأوضاع في لبنان. ويلفت الى أنّه أراد مغادرة لبنان كونه يعجز عن السفر بطريقة شرعية عبر المطار نتيجة الشروط الصعبة للحصول على تأشيرة من السفارة الإيطالية، وتوقف الرحلات بسبب فيروس كورونا، وهو لا يملك سوى المبلغ الذي دفعه للمهرب وبقايا نقود تكفيه ليصمد أسبوعاً أو أسبوعين بالحد الأقصى. يلفت الشاب الذي ما زال محتجزاً في مرفأ طرابلس، إلى أنّه من المتوقع أن يستمرّ حجزهم 14 يوماً وهي فترة الحجر الصحي المرتبطة بفيروس كورونا "لكن هناك تدخلات لإخراجنا والالتزام بالحجر المنزلي". من ناحية ثانية، يقول الشاب سامر عوض لـ"العربي الجديد" إنّه قطع الأمل من لبنان، ولجأ إلى الهرب بحراً من أجل البحث عن حياة فهو في عز شبابه ولا يريد أن يضيّع مزيداً من العمر خوفاً وقلقاً وفقراً. ويلفت الى أنّ رحلته كانت خطيرة جداً إلى قبرص اليونانية وهو ما زال محتجزاً هناك ولا يعرف مصيره. يشير إلى أنّه ونحو 56 شخصاً كانوا على متن القارب الذي عمدوا إلى شرائه بمبلغ ألفي دولار والهرب بواسطته إلى قبرص، وقد أعيد قسم منهم وما زال قسم محتجزاً في قبرص.

سامر عوض ما زال محتجزاً في قبرص (العربي الجديد)
سامر عوض ما زال محتجزاً في قبرص (العربي الجديد)

من جهته، يقول رامي الصايغ، وهو عضو سابق في بلدية الميناء، لـ"العربي الجديد" إنّه نتيجة الضغوط الاقتصادية وانعدام فرص العمل "فقد الشباب الثقة بالدولة والحكومة والطبقة السياسية فلجأوا إلى الهجرة السرية بما أنّهم لا يملكون القدرة على الهجرة القانونية وإجراءاتها التي تتطلب وقتاً، علماً أنّ المفارقة التي حصلت هنا واختلفت عن حالات سابقة مثل عام 2015 (حادثة غرق لبنانيين مهاجرين سراً) أنّ الأشخاص الذين أرادوا المغادرة بحراً هم في غالبيتهم من اشتروا القوارب والمواد الأساسية من وقود، ومأكل ومشرب، ويقسّم المبلغ على العائلات، فيما كانت في السابق تقتصر على السماسرة والمهربين". ويشير إلى أنّ "الشباب وصلوا إلى مرحلة اليأس حتى يخاطروا بهذا الشكل، والصعوبة هي عند إعادة هؤلاء إلى لبنان، فاليأس سيزداد ومعه الإحباط لا سيما أنّهم سيعودون من دون مال بعدما أنفقوه على الرحلة، فيما الدولة لا تدعمهم، في ظل غياب الاستقرار واستمرار النزيف الاقتصادي والمالي والنقدي، بالإضافة إلى فيروس كورونا الذي وجه ضربة قاضية للقطاعات كافة، ثم انفجار مرفأ بيروت الذي قضى على آمال الشباب سواء كانوا متعلّمين أو غير متعلّمين، من دون أن ننسى أنّ التعليم بات صعباً أيضاً في لبنان نظراً للأقساط المدرسية الباهظة".

من جهتها، تلفت المحامية جوديت التيني "العربي الجديد" إلى أنّه "عملاً بمبادئ القانون الدولي، يمكن للدول أن تقرّر استقبال المهاجرين السريين عبر البحر وتعطيهم صفة لاجئين أو ترفضهم وتعيدهم إلى بلادهم، وهي ملزمة عندها بإعادتهم من حيث أتوا بوسائل نقل آمنة حفاظاً على سلامتهم. أما في حال قبولها بهم على أراضيها، فمن واجبها أن تضمن لهم الحقوق الأساسية وفق ما هو مكرّس في دول الاتحاد الأوروبي، وبمعنى آخر، حقوق الحياة وصون الكرامة الإنسانية والحق في عدم الخضوع للتعذيب أو غيره من أشكال المعاملة اللاإنسانية أو المهينة".

المساهمون