لا نريد ستالينغراد عربية

27 نوفمبر 2015
+ الخط -
في 30 أبريل/نيسان 2011، كتب مندوب ليبيا في الأمم المتحدة آنذاك، عبد الرحمن شلقم، مقالاً بعنوان "خذوا حفنة من تراب مصراتة إلى بيوتكم"، واصفاً مصراتة بأنها "ستالينغراد القرن، أيقونة الحرية، وعنوان الحق"... وهي كذلك فعلاً. فقد صمدت مصراتة أمام جحافل القذافي ومرتزقته، وظلت حصناً للثورة من قبل ومن بعد. كتب شلقم وقتها "شباب مصراتة رفعوا أهرام الإرادة بماء الدم وحجارة الأجساد ونشروا عبق الحرية بأرواح الشهداء".

اليوم توصف "داريا" بأنها ستالينغراد أخرى، "ستالينغراد سورية". داريا المحاصرة في عامها الثالث، والتي تبعد بضعة كيلومترات عن دمشق، قلعة الأسد الحصينة، وربما المرفهة. داريا التي أُفرغت من سكانها، فهُجر من هُجر، وقُتل من قتل، حتى تقلص سكانها من 350 ألف نسمة، إلى خمسة آلاف! ستالينغراد هي رمز الصمود أمام "المحتل"، ولكنها كذلك رمز الدمار الكلي، الإبادة، ورائحة الدم. ستالينغراد -السوفيتية هذه المرة - صمدت لستة أشهر، لم تنكسر أمام طوفان الزحف الألماني النازي، وقتل فيها مليونا ضحية. سيطر الألمان على كامل ستالينغراد تقريباً، لكن خطوط دفاع الجيش الأحمر الأخيرة لم تنكسر، وظلت تقاوم وتقاوم، حتى النصر، ذلك الذي جاء برائحة تسوية كل شيء بالتراب، وركام الجثث فوق الجثث.
لا نريد ستالينغراد عربية، لأن أقدارنا كعرب مختلفة، وقاسية. فستالينغراد "الأصل" رمز للصمود أمام المحتل، الآخر الغازي. رمز للمقاومة بلا حد، والتضحية بلا حد، من أجل حماية الأرض والوطن.

ما جدوى التغني بأمجاد "ستالينغراد عربية" في حروب أنظمة مستبدة على شعوبها؟ هنا لا تصبح الرمزية للصمود، والتغني بأمجاد كسر شوكة معتدٍ، نحن أمام رمزية مقلوبة، مخزية بطعم العار؛ فداريا، ومصراتة، رمزان لتوحش الأنظمة التي تحكمنا، هي رموز لدموية الأسد، وهوس القذافي بالحكم والسيطرة، وستبقى هذه الذكرى، ذكرى حصار وصمود داريا، ودوما، وغيرها من المدن والقرى السورية، وصمود بنغازي، ومصراته، في 2011، كتأريخ لثورات شجاعة، وصراعات أهلية دموية، وأنظمة عربية مجرمة، كان شعارها "نحكمك أو نقتلكم".
المساهمون