السؤال عن مدى الخوف من تفشي وباء كورونا الجديد في شمال سورية قد لا يبدو أولوية للبعض، بعد كلّ ما ذاقه الأهالي من ويلات. إلا أن هذا ليس حال الجميع، في ظل غياب التجهيزات، والشكوك بإنكار النظام وجود إصابات
في الوقت الذي يشغل فيه فيروس كورونا العالم، لا يبدو أنّ غالبيّة سكان الشمال السوري يُعيرونه أيّ اهتمام، في ظل ما يعانونه من جراء النزوح والقصف والسعي إلى تأمين أبسط احتياجاتهم الأساسية، في حين يقف القطاع الصحي شبه عاجز. لا مختبرات للتشخيص أو قدرة على تأمين أماكن عزل، ولا وجود لكادر طبّي متخصّص.
ويُثير الحديث عن المخاوف من الإصابة بفيروس "كورونا" سخرية محمد رجب من ريف إدلب. يقول لـ "العربي الجديد": "أي كورونا ونحن نتنشّق مواد مسرطنة طوال فصل الشتاء من جراء إشعال البلاستيك في المدافئ؟ لم أصادف أحداً مهتماً بانتشار كورونا أو غيره. الموت يلازمنا كلّ لحظة"، مشيراً إلى أن الناس تعيش من دون كمامات ولا معقّمات.
ولا يبدو أنّ كورونا يخيف ابن مدينة إدلب عامر علي. يقول لـ "العربي الجديد": "تهمّني أخبار تواجد الطيران الحربي في الأجواء، ومناطق القصف، وآخر أخبار اتفاق سوتشي أكثر بكثير من كورونا"، لافتاً إلى أن "غالبية الناس ليس لديها الوقت لأخبار كورونا، فتأمين طعامها وشرابها يشغلها أكثر".
وعلى عكس رجب، يُعرب المُدرّس أحمد عيدي، الذي يسكن في بلدة بنش في ريف إدلب، عن مخاوف تتعلّق بكورونا، وبالتالي اهتمام أكبر باتباع بعض الارشادات للوقاية منه. وعلى الرغم من عدم توفر المعقمات والكمامات، يحاول أن يأخذ ما أمكن من الإجراءات الوقائية. يقول لـ "العربي الجديد": "أتجنّب أن أكون قريباً من أي مصاب بالإنفلونزا، وعدم التواجد في الأماكن المزدحمة"، لافتاً إلى أن الناس، حيث يعيش، لا يكترثون بسبل الوقاية من الفيروس. وهم أكثر انشغالاً بالأمور المعيشية".
من جهتهم، يُعرب مسؤولو الصحّة في الشمال السوري عن مخاوف أكبر تتعلق بتهديدات فيروس كورونا. وحذّر مدير صحة حلب الحرة حسن عبيد من خطر انتقال الفيروس من مناطق النظام عبر المعابر بين الطرفين، في ظل عدم وجود إمكانية للتشخيص المخبري حتى اليوم. ويقول لـ "العربي الجديد": "لا تتوفّر الإمكانيات المادية لمواجهة هذا الفيروس في حال تفشيه في المنطقة. في وقت تم وضع جهاز كشف حرارة على المعابر مع النظام، يتم الاعتماد عليه لتحديد حالات الاشتباه، حيث يمنع دخول الحالة لمدة 14 يوماً".
ويذكر أن "هناك إصابات كثيرة في مناطق النظام بالفيروس، إلا أن الحكومة السورية تدفن رأسها بالرمال وتنكر وجودها. ونحن نشطنا في الفترة الماضية في المخيمات والمساجد، وندعو الناس إلى عدم زيارة مناطق النظام خوفاً من نقل الإصابة إلى المنطقة". ويلفت إلى "عدم وجود غرف عزل خاصة بكورونا، تحتاج إلى إمكانيات خاصة، من توفير الصرف الصحي والمعقمات، إضافة إلى كادر مقيم لا يغادرها. وفي حال تسجيل أية إصابة، يمكن تخصيص غرفة عزل في أحد المستشفيات ويمكن لوزارة الصحة التركية أن تعيننا على ذلك، إذ إنها تستقبل اليوم العينات المشتبه بها. وسبق أن أرسلنا عينتين من الباب وتبين أنها إنفلونزا عادية".
ويشكّل الازدحام السكاني في مناطق الشمال أحد دواعي مخاوف تفشي الفيروس، بحسب عبيد، مبيناً أن "معدل الكثافة السكانية حالياً كبير، ما يترافق مع لامبالاة لدى الغالبية، من جراء الواقع المعيشي المزري".
وفي محاولة لرفع الوعي حول مخاطر كورونا، أطلقت مديرية الصحة في الساحل أنشطة توعوية عدة في المدارس والمخيمات والمناطق السكنية، ووزعت منشورات تتضمن تعليمات للوقاية من الإصابة بالفيروس. لكن في المقابل، لم تجهّز غرف عزل، الأمر الذي برره مدير صحة الساحل الدكتور خليل آغا "بعدم وجود إصابات أو حالات اشتباه".
من جهته، يقول وزير الصحة في الحكومة المؤقتة المعارضة الدكتور مرام القاضي، لـ "العربي الجديد": "تم التواصل مع منظمة الصحة العالمية والاتفاق معها على تزويد مخبر التقصي الوبائي في مدينة إدلب بالتجهيزات اللازمة لفحص العينات المخبرية المأخوذة من الحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس. وحالياً، يتم تدريب الكادر اللازم".
ويُبيّن أنّه "تم رصد 12 حالة اشتباه خلال الفترة الماضية، أخذ منها عينات وحلّلت في مختبر متخصص في مدينة أنقرة التركية، وكانت النتيجة سلبية"، معرباً عن خوفه "من انتقال عدوى من مناطق النظام، حيث يشكك في وجود إصابات يتم التكتم عليها، ما دفعنا إلى إقامة نقاط تفتيش على المعابر الموجودة معه".
ويلفت إلى وجود "خطة لتدريب فريق متخصص للتعامل مع فيروس كورونا، على أن يتم إنشاء مركزي عزل أحدهما في إدلب والآخر في ريف حلب، يتسع كل منهما إلى ما بين 20 و30 سريراً، ما يتطلّب تأمين التكاليف المادية والمعرفة العلمية". ويشير القاضي إلى أن الإجراءات "عادية"، في ظل عدم وجود إنذار كتسجيل حالة إصابة. ويعتقد أنه في حال تسجيل إصابة، سيتم "اتخاذ إجراءات أكثر صرامة".
من جهته، يقول مدير مختبر التقصي الوبائي التابع لمديرية صحة إدلب شهم مكي، لـ "العربي الجديد"، إنه "أنهى مع الفريق الذي يرافقه التدريبات حول تشخيص فيروس كورونا، والتي استمرت على مدار يومين في تركيا"، لافتاً إلى أن العمل على فحص العينات قد يبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة".
يشار إلى أن موضوع انتشار كورونا في مناطق النظام السوري ما زال خاضعاً للجدال. ففي حين تتحدّث تقارير إعلامية وناشطون عن وجود العديد من الإصابات في دمشق واللاذقية وحمص وحلب، تنفي وزارة الصحة التابعة لحكومة النظام وجود إصابات. ويقول وزيرها نزار يازجي: "لا إصابات بفيروس كورونا الجديد في سورية حتّى اليوم".