لا عودة لأهالي جنوب دمشق

20 اغسطس 2018
ممنوعون من القليل الذي بقي لهم (يوسف قروشان/فرانس برس)
+ الخط -

فقدت أم مجد (52 عاماً)، ومثلها كثير من أهالي جنوب دمشق، الأمل في العودة إلى منازلهم، التي غادروها عام 2012، من جراء المواجهات العسكرية بين قوات النظام والفصائل المسلحة. كانوا على يقين أنّها بضعة أيام ويعودون بعدها، فتركوا كلّ شيء خلفهم مكتفين ببعض الملابس. هم آلاف المهجّرين من مخيم اليرموك وفلسطين والحجر الأسود والتضامن وغيرها من مناطق وأحياء جنوب العاصمة السورية.

تقول أم مجد لـ"العربي الجديد": "طوال السنوات الست الماضية تذكّرنا يوم خروجنا المشؤوم، وندم كلٌّ منا على ترك أشياء ثمينة خلفنا. لكنّنا سرعان ما واسينا بعضنا، فأملنا في الله كبير أن نعود لنجد المنزل وأغراضنا سليمة". تتابع: "السنوات مضت ونحن نحاول أن نطمئن على وضع منزلنا عبر من بقي داخل المنطقة من أقارب ومعارف، فكنت كلما تواصلت معهم وطمأنوني أنّ المنزل ما زال كما تركناه أشعر أنّ الأمل يولد من جديد. لا يمكن أن أصف لكم المشاعر يوم أعلن عن خروج داعش من المنطقة قبل نحو ثلاثة أشهر، فقد كنت أعتقد أنّي في اليوم التالي سأعود إلى منزلي، لكن للأسف سمح لنا بالدخول للاطمئنان على منزلنا، وإخراج ما يمكن أن نخرجه فقط. الحمد لله كان منزلي كما تركته، والأضرار جزئية يمكن ترميمها، ومعظم الأثاث موجود". تتابع: "لم يسمحوا لنا بالبقاء في منازلنا، وكانوا يقولون للعالم إنّهم أعادونا، وبعد أيام لم يعد يسمح لنا بالدخول أكثر من ساعتين، في وقت لم يبقَ شيء ندخل من أجله، إذ تعرّض البيت للتعفيش، حتى صاحب المنزل رفع إيجار المنزل علينا بعد ذلك".

من جانبها، تقول أم نبيل (47 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، "لم يعد الدخول إلى المناطق التي خرج منها داعش بالأمر السهل، وحتى مناطق جنوب دمشق الأخرى مثل ببيلا ويلدا وبيت سحم. هو أمر مستحيل بالنسبة لي لأنّي فلسطينية، إذ يمنع علينا الدخول أو الخروج". تتابع: "عندما نزحنا من منزلنا في مخيم اليرموك في بداية عام 2013، تركت أختي مع عائلتها في مخيم اليرموك. لم تكن ترغب في الخروج من منزلها. وقبل معركة داعش الأخيرة نزحت تحت القصف إلى يلدا، ومنذ ذلك الوقت لم أرها. مؤخراً، حاولت أن أصل إليها واعترضني كلّ مرة حاجز منعني من الدخول. في إحدى المحاولات سمح لي بالدخول من دون تدقيق، فرأيت أختي بعد زمن. واجهت المشكلة نفسها أثناء الخروج إلى أن ساعدني الحظ وخرجت". تلفت إلى أنّ منزلها كبناء، قابل للسكن: "الأضرار التي لحقت به صغيرة، لكنّ المنطقة لا تتوفر على أي خدمات من المياه والكهرباء والصرف الصحي، وحتى أكوام التراب والركام ما زالت منتشرة في الشوارع، ولا أحد يجيبنا حول ما إذا كانت مؤسسات الدولة ستعمل على تأمين الخدمات الأساسية لإعادة الحياة إلى المنطقة أم لا. أشعر أنّ النظام سيعطي المنطقة إلى شركات أجنبية لإعادة إعمارها، وبالتالي لن يكون لمنزلنا وجود".




من جهته، يقول أبو جواد (45 عاماً)، لـ"العربي الجديد": "بعد أيام من إخراج ما تبقى من أثاث منزلنا، أخذت معي مجرفة وبعض الأدوات لتنظيف مدخل المنزل مما تجمع أمامه من ركام، استعداداً لعودتنا، إلاّ أنّ حاجز النظام منعني من إدخالها معي، واشترط إبقاءها لديه إن أردت الدخول، كما أنّهم لا يسمحون بإدخال أيّ كمية من مواد البناء. ويمنعوننا من النوم في المنطقة". يضيف: "كثير من الأهالي تجمعوا منذ عدة أسابيع في محاولة منهم للدخول إلى منازلهم، لكنّ النظام أبلغهم أنّ هناك تقييماً للأضرار وتعويضات لهم. وحتى اليوم لم يتحقق أي شيء من تلك الوعود". يلفت إلى أنّ الناس "يوماً بعد آخر، يفقدون الأمل في العودة إلى منازلهم، فالنظام لا يبدي أي إشارة تدل على رغبته في ذلك، إذ لم يرفع الركام من الشوارع، باستثناء بعض الشوارع الرئيسية، التي جرى تصويرها وإعلان الانتصار منها".

بدوره، يقول الناشط أبو خالد الشامي، لـ"العربي الجديد" إنّ "أهالي جنوب دمشق تعرضوا إلى خدعة كبيرة من النظام، ففي حين سمح لهم بالدخول في الأيام الأولى للاطمئنان على منازلهم وإخراج ما يستطيعون من أثاث، كانت هناك عملية تعفيش منظمة لم تقتصر على أثاث المنازل وما يوجد من بضائع في المنطقة، بل تعدتها إلى أسلاك الشبكة الكهربائية، التي أحرقت واستخرج النحاس منها عبر القوات النظامية، واليوم بدأوا بسحب الحديد من الأبنية، ما يثبت أنّ النظام ليست لديه أيّ نية بإعادة نازحي هذه المناطق إلى منازلهم أو تقديم أيّ معونة تمكّنهم من ذلك، بل يجري تدمير ما تبقى حتى البنية التحتية".




يضيف الشامي: "من المرجح أن يضع النظام المنطقة على خريطة إعادة الإعمار، مستغلاً أنّ كثيراً من العائلات لا تملك ما يثبت ملكيتها لمنازلها أو محلاتها التجارية، فهذه المنطقة واحدة من أكبر مناطق العشوائيات التي تحيط بالعاصمة السورية دمشق، وبالتالي فلا سجل عقارياً أو مؤقتاً يثبت ملكية هؤلاء الفقراء، وحتى إن تحولت ملكياتهم إلى أسهم، ليست لديهم الإمكانيات المادية أو التنظيمية لتجميع أنفسهم وبناء ما قد ينفعهم، وسيكونون صيداً رخيصاً للمتنفذين، الذين بدأوا بالفعل بشراء المنازل والمحلات في المنطقة ممن يملكون أوراقاً تثبت ملكيتها، في ظل بث إشاعات وأخبار أنهم إن لم يبيعوا اليوم منازلهم أو ما بقي منها فغداً لن يجري تعويضهم بشيء، وهو ما قد يدفع الأهالي إلى خلق عشوائيات جديدة في محيط دمشق".