لا خلوة شرعية في سجون مصر

28 فبراير 2020
حقوق كثيرة يفتقر إليها هؤلاء (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

في رسالة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً، تطالب امرأة مصرية في محافظة المنيا في صعيد مصر بحقّها في الخلوة الشرعية وبدائلها مع زوجها السجين الذي حُكم عليه بالمؤبد وهو يبلغ من العمر اليوم 30 عاماً. وبحسب ما أوضحت المرأة، فإنّ زوجها، بعد قضاء مدة عقوبته، سوف يتجاوز 55 عاماً وهو ما يعني صعوبة إنجابها.

والخلوة الشرعية المطبّقة في دول عربية عدّة، ومنها الأردن على سبيل المثال، تعني أن "يجتمع الزوج مع زوجته في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما بدون إذنهما، بحيث لو أراد الزوج الدخول بزوجته لدخل بها، على ألا يكون هناك أيّ مانع طبيعي أو حسي أو شرعي". والمانع الطبيعي هو وجود شخص ثالث في الغرفة معهما، حتى لو كان طفلاً مميزاً. والمانع الحسي هو أن يكون أحدهما مريضاً بمرض يمنع الجماع. والمانع الشرعي هو أن تكون الزوجة حائضاً أو يكونان في إحرام الحجّ. أمّا في مصر، فقد أكّد محامون مصريون أنّ الخلوة الشرعية تتمّ تحت ملاءة وأمام أعين الحراس في السجون، وهو وضع مهين ومشين.

وقد انتشرت الرسالة المذكورة من خلال أحد مسؤولي مبادرة دعم المرأة المصرية التي ساندت طلب التدخّل لدى وزارة الداخلية وكلّ الجهات المعنية، نحو تحقيق رغبة المرأة صاحبة الرسالة في أن تصبح أماً عن طريق الحقن المجهري من زوجها المسجون. وجاء في الرسالة: "زوجي قضت عليه المحكمة بالسجن المؤبد، وعمره الآن 30 عاماً، ولم يمض على زواجنا غير بضعة أشهر، ولم يشأ الله تعالى أن أكون حاملاً خلال هذه الفترة الوجيزة، وبحسبة بسيطة، فإنّه وبعد خروجه من السجن سيكون عمره قد تجاوز 55 عاماً، ما يعني أن أنسى من حياتي أن أصبح أماً. فهل القانون يعاقبني وأنا التي لم ترتكب جرماً؟ ولماذا لا يكون القانون رحيماً بي وبغيري ممن يتشابهنَ معي في الظروف". أضافت الرسالة: "ولماذا تقوم الدولة بالموافقة على الخلوة الشرعية، ثم تقوم برفضها مرّة أخرى؟ رغم أن تحقيق ذلك يمكن أن يؤدّي إلى الاستقرار النفسي للمسجون وأسرته". وتابعت: "رغم ذلك، لا أطالب بالخلوة الشرعية، فهو أمر يتعلق بالدولة ومؤسساتها، فهي التي تحدّد المسموح وغير المسموح، ولكننا نطالب بأعمال التقدّم الطبي بإجراء عملية الحقن المجهري من زوجي المسجون الذي أحبه، ولا يمكن أن أفكر في طلب الطلاق منه، لأنّ هذا التصرف ضدّ الشهامة والمروءة التي تربّيت عليها".



وذكر مسؤولو المبادرة أنّ هذه الرسالة فتحت قضية شائكة تتعلق بحقوق الإنسان عموماً والسجناء خصوصاً، ألا وهي الخلوة الشرعية واستخدام التقدّم الطبي في إجراء عمليات الحقن المجهري، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الاستقرار النفسي للسجين واندماجه في المجتمع بعد خروجه من السجن. وأكّدوا أنّ المبادرة لن تترك المرأة المعنية وهي تتبنى القضية باعتبارها حقاً جوهرياً للإنسان. يُذكر أنّ موضوع إدخال تعديلات في هذا الخصوص على قانون السجون المصرية مطروح منذ عشرات الأعوام.

وكانت الخلوة الشرعية الأولى في سجون مصر قد حدثت في عام 1952 في عهد الملك فاروق، عندما سجن وزير الحربية حينذاك اللواء حسين سري عامر بعد فشله في رئاسة نادي الضباط وفوز اللواء محمد نجيب. طلب اللواء سري رؤية زوجته، فسمحوا له بالاختلاء بها لتكون أولى الخلوات الشرعية في مصر، وهو ما انتقدته الصحف حينئذ واعتبرته سلوكاً مشيناً. ثمّ ظهرت الخلوة الشرعية في السجون المصرية رسمياً في خلال سبعينيات القرن الماضي، إلا أنّها توقفت لاحقاً. وأتت حجّة وزارة الداخلية المصرية حينها أنّ "الاستجابة لطلب الخلوة سيفرغ العقوبة السالبة للحرية من مضمونها وجوهرها الذي يعتمد دوماً على الإيلام والحرمان، مع صعوبة الاستجابة لهذا الطلب في حالة تعدد الزيجات، بالإضافة إلى صعوبة توفير الأماكن الخاصة بالخلوة".



وفي فبراير/ شباط من عام 2004، أصدر مفتي الديار المصرية السابق، الدكتور علي جمعة، فتوى نُشرت على الموقع الإلكتروني الرسمي لدار الإفتاء، تنصّ على أنّه "ليس هناك مانع شرعيّ من خلوة المسجون بزوجته أو العكس، حيث راعى الإسلام إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية، حتى عَدَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم هذا الحقّ من الصدقات التي يثيب الله تعالى عليها، فقال: (وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَة) رواه مسلم". من جهتها، طالبت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري في إبريل/ نيسان من عام 2006 بتطبيق حقّ الخلوة الشرعية للمسجونين، وذلك بعد جولة لها في سجون مصر وتسجيل حالات وفاة بين سجناء أصيبوا بالإيدز في سجن بور سعيد، شمال غرب القاهرة. وعلى الرغم من إجازة الشرع الخلوة الشرعية للسجناء بزوجاتهم، فإنّ التشريعات المصرية لا تنصّ في مادة بعينها على تلك الفكرة وإن كانت دستورية.