04 نوفمبر 2024
لا حرب أميركية على إيران
لا مواجهة عسكرية مع إيران، ولن يشنّ الرئيس الأميركي ترامب حرباً ضدها. وهو مقيد تماماً في مواجهتها، فقد سحب معظم قواته من سورية، ولا يملك المقامرة بأرواح الجنود الأميركيين، وهو يقترب من بداية عام الحملة الانتخابية. بينما يضيق الخناق تدريجياً حول رقبته الرئاسية بسبب تحقيقات مولر، وكل هذه عوامل تقيّد حركته ضد إيران.
الأهم من ذلك كله أنه يستعدّ لما تسمّى صفقة القرن، وهي خطة سلام شاملة في المنطقة، ولا تقتصر على الفلسطينيين والإسرائيليين. ولا يمكن تأمين أيّ فرصة لنجاح أي ترتيبات إقليمية من دون ضمان قبول إيران، التي تملك إفساد أي ترتيب أو وضع إقليمي لا يُلبّي مصالحها. ولديها أذرع ووكلاء وحلفاء بإمكانهم تعطيل الصفقة وتخريبها، وخلط الأوراق بشكل يربك جميع الأطراف. وإذا لم يكن ترامب يدرك ذلك جيداً، فإن دوائر القرار الأخرى في واشنطن تدركه بدقة، وخصوصاً وزارتي الدفاع والخارجية والمخابرات.
إيران دولة ضعيفة اقتصادياً، متوسطة عسكرياً، قوية سياسياً.. وبمعايير القوة الشاملة (بلغة العسكريين)، إيران دولة إقليمية كبيرة، لا يناظرها في المنطقة سوى مصر وتركيا. وأي رأي سلبي أو موقف مُسبق لدينا ضد إيران، بسبب أطماعها وتدخلاتها، لا يغير من تلك الحقائق شيئاً، بل ليس من الرشاد في شيء الاستهانة بقدرات الخصم، إلا لمتطلبات الحرب النفسية ولرفع معنويات الرأي العام الداخلي.
إحدى أبرز أدوات القوة الإيرانية في المشهد الحالي روابطها مع وكلاء وحلفاء لها، يقعون داخل دول المنطقة، وفي قلب ملفاتٍ ومشكلاتٍ شديدة الأهمية والحساسية في حاضر المنطقة، والأهم بالنسبة للمستقبل. وقائمة الوكلاء طويلة، من الحوثيين وحزب الله وحركة حماس، إلى نظامي الحكم في سورية والعراق. أما الحلفاء، فهناك دول خليجية وعربية وأخرى إقليمية.
العمليات التي وقعت ضد الإمارات والسعودية هدفها واضح. فهي رسالة إلى كل الأطراف بأن الدمار وإشعال المنطقة سهلان للغاية وبأساليب متعددة وفي أماكن مختلفة. وأن على واشنطن تجنّب الحرب لأنّ ثمنها سيدفعه الجميع. والأهم من مضمون الرسالة أنها وصلت كاملة وبدقة. بدليل تراجع ترامب عن التصعيد الفعلي، والاكتفاء بالحرب النفسية والضغط الكلامي، وإجراءات رمزية مثل إرسال جنود إلى المنطقة، وإعادة نشر للقوات الأميركية.
وقد لا يعلم ترامب أن إيران تملك خبرة ممتدة عقوداً في مواجهة هذه النوعية من الضغوط. لذلك جاء ردها هادئاً وواثقاً وغير مبال، بل مُتحدياً، لتكتمل في المنطقة حلقة جديدة من مسلسل "عضّ الأصابع" بين واشنطن وطهران. ولا بد أن المعنيين بصنع السياسة في المنطقة لاحظوا أن أصابع ترامب لا تتحمل العضّ طويلاً، ففي كل مرة يخوض معركة الضغط والصبر، يكون هو البادئ بالتراجع، ويظهر كمن يتلهف على أي ثغرةٍ للتهدئة مع الخصم. حدث ذلك مع الصين، وأيضاً مع كوريا الشمالية التي ذهب في التصعيد ضدها إلى التهديد بالزرّ النووي، وها هو يكرر التسلسل نفسه مع إيران. ربما لحداثة عهده بالسياسة، يذهب ترامب بعيداً في التصعيد، فتبدو تهديداته غير واقعية، لكنه دائماً يتراجع عن مبالغاته، وغالباً تدركه نصائح وتحذيرات دوائر صنع القرار المحيطة به. ويتوافق هذا الطوق المؤسسي الذي يرشد اندفاعاته، ويلجم شطحاته، مع عقليته التجارية، ومع التزامه بوعوده الانتخابية، ومن أبرزها عدم المخاطرة بأرواح الأميركيين.
يؤكد سلوك ترامب تجاه إيران مجدداً، أن غايته دائماً الحصول على أعلى مكاسب بأقل تكلفة، من دون خوض مواجهات صفرية. ومهما يكن اسم هذه الطريقة أو وصفها.. ابتزازاً أو مساومة أو صفقة متكافئة أو اتفاقاً عادلاً، تظل كلها أسماءً وأوصافاً نسبية، لسياسةٍ لا تفرقة فيها بين أعداء أو أصدقاء.
إيران دولة ضعيفة اقتصادياً، متوسطة عسكرياً، قوية سياسياً.. وبمعايير القوة الشاملة (بلغة العسكريين)، إيران دولة إقليمية كبيرة، لا يناظرها في المنطقة سوى مصر وتركيا. وأي رأي سلبي أو موقف مُسبق لدينا ضد إيران، بسبب أطماعها وتدخلاتها، لا يغير من تلك الحقائق شيئاً، بل ليس من الرشاد في شيء الاستهانة بقدرات الخصم، إلا لمتطلبات الحرب النفسية ولرفع معنويات الرأي العام الداخلي.
إحدى أبرز أدوات القوة الإيرانية في المشهد الحالي روابطها مع وكلاء وحلفاء لها، يقعون داخل دول المنطقة، وفي قلب ملفاتٍ ومشكلاتٍ شديدة الأهمية والحساسية في حاضر المنطقة، والأهم بالنسبة للمستقبل. وقائمة الوكلاء طويلة، من الحوثيين وحزب الله وحركة حماس، إلى نظامي الحكم في سورية والعراق. أما الحلفاء، فهناك دول خليجية وعربية وأخرى إقليمية.
العمليات التي وقعت ضد الإمارات والسعودية هدفها واضح. فهي رسالة إلى كل الأطراف بأن الدمار وإشعال المنطقة سهلان للغاية وبأساليب متعددة وفي أماكن مختلفة. وأن على واشنطن تجنّب الحرب لأنّ ثمنها سيدفعه الجميع. والأهم من مضمون الرسالة أنها وصلت كاملة وبدقة. بدليل تراجع ترامب عن التصعيد الفعلي، والاكتفاء بالحرب النفسية والضغط الكلامي، وإجراءات رمزية مثل إرسال جنود إلى المنطقة، وإعادة نشر للقوات الأميركية.
وقد لا يعلم ترامب أن إيران تملك خبرة ممتدة عقوداً في مواجهة هذه النوعية من الضغوط. لذلك جاء ردها هادئاً وواثقاً وغير مبال، بل مُتحدياً، لتكتمل في المنطقة حلقة جديدة من مسلسل "عضّ الأصابع" بين واشنطن وطهران. ولا بد أن المعنيين بصنع السياسة في المنطقة لاحظوا أن أصابع ترامب لا تتحمل العضّ طويلاً، ففي كل مرة يخوض معركة الضغط والصبر، يكون هو البادئ بالتراجع، ويظهر كمن يتلهف على أي ثغرةٍ للتهدئة مع الخصم. حدث ذلك مع الصين، وأيضاً مع كوريا الشمالية التي ذهب في التصعيد ضدها إلى التهديد بالزرّ النووي، وها هو يكرر التسلسل نفسه مع إيران. ربما لحداثة عهده بالسياسة، يذهب ترامب بعيداً في التصعيد، فتبدو تهديداته غير واقعية، لكنه دائماً يتراجع عن مبالغاته، وغالباً تدركه نصائح وتحذيرات دوائر صنع القرار المحيطة به. ويتوافق هذا الطوق المؤسسي الذي يرشد اندفاعاته، ويلجم شطحاته، مع عقليته التجارية، ومع التزامه بوعوده الانتخابية، ومن أبرزها عدم المخاطرة بأرواح الأميركيين.
يؤكد سلوك ترامب تجاه إيران مجدداً، أن غايته دائماً الحصول على أعلى مكاسب بأقل تكلفة، من دون خوض مواجهات صفرية. ومهما يكن اسم هذه الطريقة أو وصفها.. ابتزازاً أو مساومة أو صفقة متكافئة أو اتفاقاً عادلاً، تظل كلها أسماءً وأوصافاً نسبية، لسياسةٍ لا تفرقة فيها بين أعداء أو أصدقاء.