01 أكتوبر 2022
لا تقولوا "أميركا ضربت سورية"
ما إن سقطت الصواريخ الأميركية على مطار للنظام السوري، إلا وظهرت موجة من الفزع بين من يردّدون "أميركا ضربت سورية". أحياناً نحتاج مناقشة التعبيرات في حد ذاتها كما نناقش ما وراءها.
لدينا هنا سؤال بغاية البساطة: ماذا تعني "سورية" في العبارة السابقة؟ لو كان المعنى هو الأرض السورية فبهذا التعريف أميركا تضرب سورية منذ أكثر من عامين بالفعل. كأن القصف الأميركي ضد "داعش" غير محسوب لسببٍ ما، على الرغم من أنه أضخم حجماً وزمناً، وبرفقة تحالف دولي يمثل نحو 60 دولة، منها دول عربية، كالإمارات التي اشتُهرت منها الطيارة مريم المنصوري قائدة إف 16، وأيضاً الأردن التي فقدت طيارها معاذ الكساسبة فوق الأرض السورية.
وبهذا التعريف أيضاً، فإن روسيا تضرب سورية منذ عامين في قصفٍ شمل أغلب المحافظات السورية، ومن قبلها شاركت إيران، ومعها مليشيات شيعية عراقية ولبنانية وأفغانية، تواجه مليشيات سنية من عشرات الدول، وبعض فصائل المعارضة مدعومة من دول خليجية. .. كل هذا قديم، فما الجديد إذن؟
أما لو كان معنى "سورية" هو المدنيين السوريين، فبهذا المعنى أيضاً قتل التحالف الدولي مدنيين سابقاً، في مايو/ أيار 2015 أصدرت وزارة الدفاع الأميركية أول اعتراف رسمي، حين اعتذرت عن "مقتل طفلين على سبيل الخطأ في قصف استهدف جماعة خراسان". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، اعترف الجيش الأميركي بمقتل 64 مدنياً بالخطأ خلال غارات من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 إلى سبتمبر/ أيلول 2016. المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق أعداداً أخرى لضحايا قصف التحالف في وقائع، قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها تحقق فيها.
على الجانب الآخر، وثق المرصد نفسه أيضاً سقوط 5013 مدنياً على يد القصف الروسي، والعالم كله شهد القصف الجنوني من الطيران الروسي على حلب.
وبشكل عام، تجاوز إجمالي قتلى الحرب في سورية على أقل تقدير 300 ألف ضحية. كل هذا قديم، فما الجديد إذن؟
قال بعضهم إن نتيجة القصف هي التطور الأهم، فالمشهد يذكّرنا بإسقاط أميركا صدام حسين، ولو تكرّر هذا في سورية سيتم تقسيمها. لكن مشكلة هذا الطرح أنه نظري وقديم، يتجاهل الواقع الواضح: سورية تم تقسيمها بالفعل.
هناك مناطق يحكمها بشار، ومناطق للمعارضة المصنفة معتدلة (وهي مناطق مقسمة)، ومناطق يحكمها تنظيم الدولة الإسلامية، ومناطق تحكمها هيئة تحرير الشام (جبهة النُصرة سابقاً)، ومناطق يحكمها الأكراد الساعون إلى جمهورية روج آفا.
هذا المناطق منفصلة تماماً كأنها دول أخرى بالفعل، لكل منها حاكم مختلف، ونظام مختلف، وقوات عسكرية مختلفة، وآليات اقتصادية لجمع الضرائب، وآليات خدمية للأهالي، وهيئات قضائية، وغيرها من مقومات الدول.
إذن، الجديد الوحيد أن هذا القصف استهدف نظام بشار الأسد. لذلك من يستخدم مصطلح "أميركا ضربت سورية" هذه المرة، من دون أن يستخدمه في سابقاتها، فهو يقصد، عمداً أو يستبطن في لا وعيه، أن سورية هي سورية الأسد فقط، وما سواها ليس سورية، أو ليس سورية الأصلية بشكلٍ ما.
لعقود طويلة، رسخت الأنظمة العربية عميقاً في نفوس شعوبها أن الوطن يتجسّد في النظام الحاكم، وربما في شخص الرئيس تحديداً.
على من يرون أنفسهم مدافعين عن قيمٍ ديمقراطية أن يدقّقوا في اختيار ألفاظهم، وأن يسائلوا أنفسهم كي يتأكدوا ألا تتسرّب إلى خطابهم أفكار أو ألفاظ تنتمي إلى ما يحاربوه. ما غرسته الأنظمة، بإعلامها ومدارسها وسلطاتها، الفكرية قبل العسكرية، استغرق سنوات ليتأسس عميقاً، وسيستغرق سنواتٍ ليُنتزع تماماً.
سواء سعدتم أو غضبتم بما حدث، فلتسموا الأمور بمسمياتها أولاً، ثم اختلفوا كما تشاؤون: أميركا قصفت مطارا عسكرياً لنظام بشّار.
لدينا هنا سؤال بغاية البساطة: ماذا تعني "سورية" في العبارة السابقة؟ لو كان المعنى هو الأرض السورية فبهذا التعريف أميركا تضرب سورية منذ أكثر من عامين بالفعل. كأن القصف الأميركي ضد "داعش" غير محسوب لسببٍ ما، على الرغم من أنه أضخم حجماً وزمناً، وبرفقة تحالف دولي يمثل نحو 60 دولة، منها دول عربية، كالإمارات التي اشتُهرت منها الطيارة مريم المنصوري قائدة إف 16، وأيضاً الأردن التي فقدت طيارها معاذ الكساسبة فوق الأرض السورية.
وبهذا التعريف أيضاً، فإن روسيا تضرب سورية منذ عامين في قصفٍ شمل أغلب المحافظات السورية، ومن قبلها شاركت إيران، ومعها مليشيات شيعية عراقية ولبنانية وأفغانية، تواجه مليشيات سنية من عشرات الدول، وبعض فصائل المعارضة مدعومة من دول خليجية. .. كل هذا قديم، فما الجديد إذن؟
أما لو كان معنى "سورية" هو المدنيين السوريين، فبهذا المعنى أيضاً قتل التحالف الدولي مدنيين سابقاً، في مايو/ أيار 2015 أصدرت وزارة الدفاع الأميركية أول اعتراف رسمي، حين اعتذرت عن "مقتل طفلين على سبيل الخطأ في قصف استهدف جماعة خراسان". وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، اعترف الجيش الأميركي بمقتل 64 مدنياً بالخطأ خلال غارات من نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 إلى سبتمبر/ أيلول 2016. المرصد السوري لحقوق الإنسان وثق أعداداً أخرى لضحايا قصف التحالف في وقائع، قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها تحقق فيها.
على الجانب الآخر، وثق المرصد نفسه أيضاً سقوط 5013 مدنياً على يد القصف الروسي، والعالم كله شهد القصف الجنوني من الطيران الروسي على حلب.
وبشكل عام، تجاوز إجمالي قتلى الحرب في سورية على أقل تقدير 300 ألف ضحية. كل هذا قديم، فما الجديد إذن؟
قال بعضهم إن نتيجة القصف هي التطور الأهم، فالمشهد يذكّرنا بإسقاط أميركا صدام حسين، ولو تكرّر هذا في سورية سيتم تقسيمها. لكن مشكلة هذا الطرح أنه نظري وقديم، يتجاهل الواقع الواضح: سورية تم تقسيمها بالفعل.
هناك مناطق يحكمها بشار، ومناطق للمعارضة المصنفة معتدلة (وهي مناطق مقسمة)، ومناطق يحكمها تنظيم الدولة الإسلامية، ومناطق تحكمها هيئة تحرير الشام (جبهة النُصرة سابقاً)، ومناطق يحكمها الأكراد الساعون إلى جمهورية روج آفا.
هذا المناطق منفصلة تماماً كأنها دول أخرى بالفعل، لكل منها حاكم مختلف، ونظام مختلف، وقوات عسكرية مختلفة، وآليات اقتصادية لجمع الضرائب، وآليات خدمية للأهالي، وهيئات قضائية، وغيرها من مقومات الدول.
إذن، الجديد الوحيد أن هذا القصف استهدف نظام بشار الأسد. لذلك من يستخدم مصطلح "أميركا ضربت سورية" هذه المرة، من دون أن يستخدمه في سابقاتها، فهو يقصد، عمداً أو يستبطن في لا وعيه، أن سورية هي سورية الأسد فقط، وما سواها ليس سورية، أو ليس سورية الأصلية بشكلٍ ما.
لعقود طويلة، رسخت الأنظمة العربية عميقاً في نفوس شعوبها أن الوطن يتجسّد في النظام الحاكم، وربما في شخص الرئيس تحديداً.
على من يرون أنفسهم مدافعين عن قيمٍ ديمقراطية أن يدقّقوا في اختيار ألفاظهم، وأن يسائلوا أنفسهم كي يتأكدوا ألا تتسرّب إلى خطابهم أفكار أو ألفاظ تنتمي إلى ما يحاربوه. ما غرسته الأنظمة، بإعلامها ومدارسها وسلطاتها، الفكرية قبل العسكرية، استغرق سنوات ليتأسس عميقاً، وسيستغرق سنواتٍ ليُنتزع تماماً.
سواء سعدتم أو غضبتم بما حدث، فلتسموا الأمور بمسمياتها أولاً، ثم اختلفوا كما تشاؤون: أميركا قصفت مطارا عسكرياً لنظام بشّار.