لا تقبيل بين العراقيين

06 مارس 2020
ملتزمة بالتعليمات (مرتضى السوداني/ الأناضول)
+ الخط -

اضطر العراقيون إلى التخلي عن الكثير من عاداتهم، مع انتشار فيروس كورونا في البلاد. بالنسبة إليهم، ذلك أفضل من الإصابة بالفيروس

حالة من الخوف والهلع يعيشها العراقيون بعد تسجيل عدد من الإصابات بفيروس كورونا في مختلف محافظات البلاد، وإعلان الجهات الحكومية تعطيل الدوام الدراسي، في وقت اتخذت وزارات ومحافظات قرارات بتعطيل الدوام الحكومي أو جعله جزئياً.

تلك القرارات زادت من حالة الخوف بين المواطنين، ما جعلهم أكثر حذراً في ممارسة طقوسهم المعتادة، مثل زيارات الأضرحة الدينية والمشاركة في الأعراس أو المآتم. وتراجعت الزيارات العائلية وتفقد الجيران، في حين اكتفى الأصدقاء بإلقاء السلام عن بعد أو "السلام الهوائي"، وهي عبارة راجت أخيراً بين العراقيين. ويصفها الصحافي حسين البدري بأنها "وسيلة إرشادية مهمة تجعل المواطنين أكثر حذراً من هذا الفيروس الخطير".

وتُعرَف عن العراقيين مصافحتهم بعضهم بعضاً بحرارة. إضافة إلى المصافحة بالأيدي، هناك تقبيل الخدين والعناق، سواء بين الزملاء أو الجيران.

ويقول البدري لـ "العربي الجديد" إنّ "السلام الهوائي بدأ ينتشر بشكل كبير، بل أصبح هو السلام المتعارف عليه. وأرى أن ذلك السلام بات معتمداً، بل إنه يطبق في كل مكان".
وفي التحية الهوائية، يكتفي الشخص بالوقوف على مسافة متر أو أكثر من الشخص الآخر، ويلقي عليه التحية رافعاً كفه إلى الأعلى، وهي إشارة التحية المعروفة في كل أنحاء العالم، أو يضع الشخص يده على صدره أو رأسه، كدليل على الاحترام. وتتخلل التحية أسئلة عن الأحوال والأمنيات بالسلامة دون لمس أو تقبيل. وتقول رفل طارق، التي تدير محلاً للحلاقة النسائية، إنها تخجل من صديقاتها وزبوناتها كونها تمتنع عن عناقهن أو تقبيلهن. وتقول لـ "العربي الجديد": "جميع النساء اليوم يقدرن ما نمر به. وجميعهن امتنعن عن السلام المعروف بين النساء".



وإن كانت التحية بين الرجال في العراق عبارة عن عناق أو قبلة على الوجنتين، فإن للنساء العراقيات طقوسهن الخاصة، إذ لا تقل تحيتهن عن خمس قُبل مع عبارات مرحبة طويلة. والمحافظات التي سجلت فيها إصابات مؤكدة بالفيروس هي بغداد والنجف وكربلاء وبابل وواسط وميسان والسليمانية وكركوك.

وقررت السلطات العراقية تعطيل الدوام الرسمي في كل المدارس والجامعات، وتعطيل الدوام مؤقتاً في محافظات ميسان والأنبار وكركوك، في حين أعلنت بعض الوزارات تقليص الدوام.
وتعدّ الأماكن التي تشهد تجمعات بشرية كبيرة أخطر من غيرها، منها المراقد والأضرحة الدينية. فزيارة هذه الأماكن عبادة أساسية وضرورية لدى فئة واسعة من المجتمع العراقي. وهناك مراقد في العاصمة بغداد وسامراء (شمال) والنجف وكربلاء (جنوب). ولبعض العراقيين طقوس خاصة يلتزمون بها، منها زيارة الأضرحة أسبوعياً أو كل أسبوعين أو شهرياً أو غير ذلك، ما يجعل هذه الأماكن تعج بالزائرين.

لا تفارق الكمامة وجهه (مرتضى السوداني/ الأناضول) 


هناء الموسوي موظّفة في وزارة التربية تسكن في أطراف بغداد الجنوبية. تحرص على زيارة ضريح "الإمام موسى ابن جعفر" (يقع في أطراف بغداد الشمالية) المعروف بلقب الكاظم، كل سبت من الأسبوع. هناء تقول لـ "العربي الجديد" إنها تمارس هذا الطقس منذ كانت طفلة في العاشرة من العمر، حين كانت تصطحبها والدتها. تضيف: "أشعر براحة كبيرة. أصلي في زيارتي لهذا المكان. أشعر بأن الدعاء مستجاب فيه. أجلس نحو ساعة ثم أعود إلى بيتي". تضيف: "يؤسفني أنني لن أتمكن من الذهاب حالياً بسبب كورونا".



ومن بين الطقوس المتوارثة التي يلتزم بها العراقيون، حضور مجالس العزاء حيث يقيم أهل المتوفى صواناً قرب المنزل، أو يحجزون قاعة خاصة لتقبل العزاء على مدى ثلاثة أيام. ومن طقوس العزاء الاستعانة بصانع قهوة (قهوجي) مهمته تقديم القهوة العربية بـ "الدلة والفنجال".
لكن منذ الإعلان عن ظهور فيروس كورونا في البلاد، شهد هذا الطقس تغييرات لم تكن معهودة. وألغت عائلات مجالس العزاء، في حين اختصر بعضهم تلقي العزاء في قاعات لساعات قليلة ويوم واحد فقط. ويقول خميس العبوسي، وهو قهوجي يمتهن إعداد وتقديم القهوة في مناسبات العزاء، إن "كورونا أدى إلى قطع أرزاق القهوجية (معدو ومقدمو القهوة)". يضيف لـ "العربي الجديد": "منذ عشرة أيام عملت في عزاء واحد فقط. الغريب أن أحداً لا يشرب القهوة. كان المعزون يعتذرون عن شرب القهوة حين أقدمها لهم بحسب التقليد المتعارف عليه. إنهم يخشون انتقال كورونا عبر الفناجيل (فناجين)".

إلى ذلك، تقول نداء حمود، وهي ربة بيت (42 عاماً)، إنها توقفت عن زيارة جاراتها، ولم تعد ترتاد الأسواق المكتظة، وهو الطقس الذي اعتادت عليه للتبضع. وتوضح لـ "العربي الجديد": "هذا مؤلم حقاً. لكن هذا حال غالبية النساء. أعتقد أن الحذر في الوقت الحالي، ولو على حساب عاداتنا، أفضل من أن نصاب بالعدوى".


المساهمون