لا تغادر هذه الحانة

27 يونيو 2019
(من سقف ضريح حافظ في شيراز بإيران)
+ الخط -

انظُر إلى هذا الجمال

عصيٌّ وصف جمال هذه القصيدة.
أأنت في حاجة إلى دليلٍ لتعرف أنّ الشمس حارّة؟
طوبى لفرشاة الرسّام، بها يصنع
رسومات لعروسه العذراء.
انظُرْ إلى هذا الجمال. لا سبب لما تراه.
عشْ عظمته. لا مثيل له.
قد تكون هذه القصيدة عجيبة، أو ساحرة،
قد يكون جبريل من يقودها أو الصوت الخفيّ العميق.
لا أحد، ولا حتى حافظ، يمكنه بالكلمات وصف السرّ العظيم.
لا أحد يعلم في أيّ محارة تختفي اللؤلؤة الثمينة.


■ ■ ■


الكتابة بالشفرة

يا نسيمَ الصباح، تعال بوجهك السعيد إلى دار الحبيب!
أنت رسول المولى، وأنا الآن على الصراط المستقيم.
فلا تأمرني، بل اطلبْ برقّة منّي أنْ أسير.
يا ساقي، هاتِ بعضاً من أكثر نبيذك حمرةً،
فروحي تنسلّ من بين يديّ.
دعني أربط أمالي بإزارك الذهبي.
حِمية العقل لم تَقُدْني إلى أيّ مكان.
خصرك يؤدّي إلى لطف ربّاني. إني أعلم الآن.
من مجلسي، مرأى سيفك إشارة على الجفاف،
خذني أسيراً واذبحني بالماء والثلج.
لقد كتبتُ هذه الكلمات مشفّرةً، لعينيك فقط.
رجاءً خذها، واقرأها حالاً!
لحافظ، النطقُ بالتركية والعربية كالنطق بلسانٍ واحدٍ:
حافظُ يروي حكاية العشق بكلّ لغة يعرفها.


■ ■ ■


دنّ نبيذ

يا ساقي، آتنا دنّ النبيذ، إنّه الصباح
والندى يقطرُ من السماء.
يا ندامى، اشربوا كلّ الدم من هذا الدنّ؛
ولا جُرم في أن نفعل ذلك جميعاً.
إذا صحوتم غداً بخُمار السُكر،
اشربوا مزيداً من النبيذ، وابعدوا الهمّ بعيداً.
أيها الساقي، لا تغادر هذه الحانة،
فالحزن ينتظرك خلف تلك الصخرة.
وأنت أيّها العازف، أعزف لنا مزيداً من أغانيك الشجيّة
لنوثّق عقال العفاريت الشرّيرة.
مزيداً من النبيذ! تهمسُ موسيقى الربابة في أذني:
"غنِّ، كنْ سعيداً؛ واستمعْ دائماً إلى هذا المعلّم العجوز".
حافظُ، توقّفْ عن البكاء. نبتةُ شوقك ارتوتْ بالدم،
وأثمرتْ فاكهة. لماذا تريد أن تجتثَّ هذه النبتة الآن من الأرض؟


■ ■ ■


عِناقٌ ناقصٌ

أيها المغنّي، رجاءً انظُم أغنية شجيّة بالفارسية يَسهلُ عليّ غناؤها!
صوتُ المعزف وتصفيقُ الساقي أعادت ذكريات شبابي الحلوة.
اسقِ أصدقائي نبيذاً كي يغشاهم الفرح أيضاً!
تعال يا ساقي، وهاتِ زق النبيذ!
لا يريد الله أن أشرب من الكأس الصغيرة هذه.
ولنغنّ معاً، فنشاركك نشوتك.
ربيع حياتي مضى، وفات، في رعايته؛ في وقت جمعنا هذا، قد يتعهّدنا!
أيها المحبوب، لأنني أعمى فاتتني فرص كثيرة أن أكون معك:
والآن أنا هرِمٌ ووحيد. ابنة الساقي يمكنها أن تكون عروساً جميلة،
لكن جمالها علامة أكيدة على انفصال وطلاق.
حتى المسيح الذي كان دائماً عينَ ذاته،
كانت لديه الحكمة ليتّخذ من الشمس عروساً له.
في عمري، لم يعد الشباب مرغوباً؛
أقطفُ فقط قبلاتٍ رقيقةٍ وعناقاً ناقصاً من هاته الفتيات الجميلات.
لا تظنّنَّ أنّي كَمِدٌ وأنّي أئنّ، تذكّرْ:
كلّ البحار والمحيطات تأتي من جدول صغير.
ليس قدرنا أن نحاط دائماً بأصدقاء سعداء وفاتنين؛
لحافظ، القصائدُ الفارسية أغانٍ حزينة، حزينة.


■ ■ ■


يا حاجّ

يا حاجّ، تعال وانظُر في مرآة كأس الخمر هذه!
خذْ شبكتك، الطائرُ البريء لا يقع في الشرَك أبداً.
لا شيء في هذه القفص غيرُ الريح.
عِشْ الآن! آنَ جفّت البحيرة،
غادر آدمُ جنّة النعيم.
في ليلة العيد، اشربْ كأس نبيذ أو كأسين وارحلْ.
لا تبقَ في الجوار تنتظرُ صحوة السُكر!
قُلْ لقلبكَ: "فنِي شبابي".
وإنْ لم تقطف أيّ وردة، اجعلْ عقلك نافعاً،
ثمّ اعمل صواباً.
المتطهّر الجاهل لا يرى السكران أبداً
ولا الأسرار وراء الحجاب.
أيّها الفطِنُ، الجالسون مِنّا طوال اليوم في جوارك
يستحقّون جزاءً أكبر. جاء وقت الحساب، لِتكُنْ الشفقة عطيّتكَ.
عندما أسلمتُ قياد قلبي إليك،
لي أملٌ واحدٌ فقط، أنْ أكون حصاناً.
يا راغباً في كأس حافظ: اشرب! وامضِ كالريح
إلى المولى، وقصّ عليه نبأ هذا النبيذ العظيم.


ترجمة عاشور الطويبي

المساهمون