لا تحوّلوا "رابعة" إلى مجرّد بكائية

16 اغسطس 2016
(الصورة: الأناضول)
+ الخط -

تحل هذه الأيام الذكرى الثالثة لمذبحة ميداني رابعة العدوية والنهضة؛ تلك المذبحة التي خلفت ما يقرب من ألف قتيل وآلاف الجرحى، واستعادت بها الدولة العميقة في مصر سطوتها مرة أخرى بعد أن حققت الثورة المضادة نصراً ساحقاً على ثورة 25 يناير 2011.

اعتادت المعارضة المصرية، خصوصاً الإسلاميين والدوائر القريبة منهم، على مدى الثلاثة أعوام المنصرمة، ومع اقتراب ذكرى المذبحة، على استعادة الوقائع ونشر صور وشهادات الضحايا والصحافيين الذين كانوا طرفاً/ شهوداً على ما حدث. كما أصبح التذكير بمواقف النخب المصرية من المذبحة، تأييداً ومعارضة، بل وحتى انتقاد قيادات الإخوان والإسلاميين على طريقة إدارتهم للمشهد خلال تلك الفترة، من طقوس استعادة ذكرى المذبحة.

كما لا تخلو كل ذكرى للمذبحة من وجود تائبين يعترفون بذنبهم في تأييد عملية فض ميداني رابعة والنهضة بالقوة، أو مدافعين عن مواقفهم الملتبسة وغير الواضحة من المذبحة.

على مدى ثلاثة أعوام، كانت هذه، تقريباً، هي الطقوس الثابتة لاستعادة ذكرى المذبحة. وعلى الرغم من أنه لا يمكن التقليل من شأن عملية استعادة الوقائع وإعادة نشر الشهادات واستعراض مواقف النخب، لأن الصراع على السردية هو جزء من الصراع مع الثورة المضادة، لكن أيضاً لا يمكن الاكتفاء بهذا وتحويل ذكرى المذبحة إلى مجرد لطمية سنوية.


تجاوز النخب القديمة
على مدى خمس سنوات، أثبتت معظم النخب السياسية المصرية فشلاً ذريعاً على كافة المستويات، في الوقت الذي أظهر فيه الشباب، في كثير من المواقف، أنهم الأكثر قدرة على قراءة الموقف والتواصل مع المختلف وإيجاد صيغ للتوافق.

الآن، وبعد مرور خمسة أعوام على ثورة يناير، وثلاثة أعوام على مذبحة رابعة والنهضة، يبدو أن هناك حاجة ماسة إلى تجاوز النخب القديمة بصراعتها وأطماعها وأوهامها، والسماح لجيل جديد من الشباب بالقيادة، من أجل تجاوز الأزمة. هذا الجيل لسنا في حاجة إلى انتظاره؛ هذا الجيل تشكل عبر سنوات من العمل الميداني، من مظاهرات لإضرابات لصراعات لمعارك لمناقشات؛ هذا الجيل موجود بالفعل.

ففي الوقت الذي أصبح فيه نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي مهترئاً بشدة، ويعاني من أزمة اقتصادية تأكل من شعبيته كل يوم، تبدو الفرصة سانحة للتحرك من أجل صياغة بديل ورؤية مستقبلية جديدة لرسم أفق جديدة للصراع والتحالف والتنسيق بين الأطراف السياسية المتناحرة.

لكن الصراعات الداخلية بين النخب السياسية الشائخة من أبناء التيار الواحد، وبين نخب التيارات المختلفة، تظل العائق الأكبر أمام صياغة البديل، لذلك فإن تجاوز هذه النخب بصراعتها الضيقة، وتقديم النخب الجديدة؛ التي تشكلت على مر العشر سنوات الماضية، هو الحل الأفضل للوصول إلى البديل في أقصر وقت ممكن.


المصريون في الخارج
عقب مذبحة رابعة العدوية، وما تلاها من حملات أمنية، فر آلاف الشباب المصريين إلى الخارج خوفاً من الملاحقات الأمنية، أو للبحث عن فرص أفضل للحياة بعد أن ضاعت فرصة صياغة حياة أفضل في مصر.

الآن، ومع استمرار الملاحقات الأمنية للشباب داخل مصر، يقع على عاتق المصريين في الخارج المسؤولية الأكبر في عملية صياغة البديل وإعداد رؤية للمستقبل وتجاوز صراعات عجائز النخب. فالمصريون في الخارج يملكون، إلى جانب البعد عن قبضة الأمن، من أدوات التواصل ما يؤهلهم لأن يقوموا بهذا الدور.

المقصود هنا ليس مجرد تكوين معارضة في الخارج، لكن المقصود أن المصريين المعارضين في الخارج يستطيعون مساعدة نظرائهم في الداخل، بشكل كبير، في التغلب على ما تنتجه عقبة الملاحقة الأمنية من صعوبات في التواصل بين الأطراف المختلفة في مصر من أجل صياغة البديل.


نحو إعلام مهني ثوري
في ذكرى رابعة، لا يمكن تناسي أن المذبحة تمت بمباركة وتهليل جزء من الشعب. ولعبت وسائل الإعلام دوراً هاماً في صياغة عملية المباركة هذه، وشحن الجماهير ضد الإخوان والإسلاميين وثورة يناير بشكل عام.

من هنا، تبدو أهمية وجود منصات إعلامية مهنية ومتجردة من الأيدولوجيا، تعمل على إعادة صياغة الفكر الشعبي عن المعارضة وثورة يناير، وتوجيه حالة الإحباط والسخط إلى مكانها الصحيح، والأهم من ذلك تبشر بالبديل.

الحديث هنا ليس على وسائل إعلام عملاقة، بميزانيات ضخمة، لكن الحديث عن منصات إعلامية صغيرة، حتى ولو بدأت من مواقع التواصل الاجتماعي.

خلقت صفحة "الموقف المصري" مثالاً حياً على نموذج الإعلام المهني والمتجرد من الأيدولوجيا المقصود؛ فالصفحة التي انطلقت في شهر فبراير/ شباط الماضي تقدم نموذجاً للإعلام الشعبي المهني المبسط، الذي يمكن أن يصل إلى الطبقات الأقل حظاً من التعليم والثقافة بسهولة، فحازت على مئات آلاف المتابعين خلال فترة زمنية بسيطة.


(مصر)

المساهمون