لا أمل ولا يأس في مصر

09 فبراير 2019
+ الخط -
قبل سنوات ظهر على صفحتي، وصفحات معارضين آخرين، في موقع "فيسبوك"، شخصٌ لا يتوقف عن الشجار تأييداً لعبد الفتاح السيسي، وكان نشاطه وانتشاره بالغيْن إلى حد أنه أصبح اسماً معروفاً ومثاراً للتندر أو العداء. كان لديه دائماً القدرة على النفي، أو التبرير لأي شيء، وحتى قبل إعلان التعديلات الدستورية بأيام، كان يكتب أنه يثق بأن الرئيس لن يعدّل الدستور.
بعد أن وقعت الواقعة، فوجئنا به يكتب: لا لتعديل الدستور. لقد انضم إلى العائدين الجدد! هذا النموذج متكرّر بنسبة غير قليلة، والسبب هنا أن لحظة تعديل الدستور ليسمح ببقاء السيسي رئيسا لمصر حتى 2034 هي لحظة الحقيقة لكثيرين ممن كانوا يظنون أن السيسي يحكم باختيارهم فعلا.
أحدثت ثورة يناير ثورة حقيقية في رؤية المصريين لأنفسهم وحقوقهم، بما في ذلك أعتى خصوم الثورة، شهدنا ذلك في مظاهرات 30 يونيو نفسها التي استخدمت هتافات الثورة نفسها، وشهدناها مراراً في استخدام مؤيدي النظام الآليات نفسها.
أصبح كل مواطن مصري يشعر بالأحقية، حتى لو كان يظن أنه يستخدم هذه الأحقية في دعم السيسي ضد (أعداء الوطن)، لكن التعديلات جاءت صفعة لهؤلاء. اليوم، في كل عائلة مصرية، وفي كل وسط، هناك عائدون جدد، بعضهم صريح وبعضهم يتردّد. هذه التغيرات الدرامية هي من أهم عوامل الأمل في موجةٍ معارضةٍ غير مسبوقة في اتساعها.
وما زاد الموقف إرباكاً لقواعده أن خطة التمديد المباشر جاءت مفاجئة للغاية، بعد تمهيد معاكس، فما كان للإعلامي عمرو أديب أن يظهر قبل عام ليتحدث مطولاً بما يوحي أنها معلومات أن السيسي سيغادر في نهاية سنواته الثماني، وعلينا الاستعداد، كما أن السيسي نفسه وعد بذلك علناً في حوارين في فرنسا وأميركا، نفى بهما أي نية لتعديل الدستور. ويستقيم ذلك مع التسريبات السابقة عن خطة إنشاء "مجلس حماية مكتسبات الثورة" الذي كان سيرأسه السيسي مدى حياته، تاركاً الرئاسة.
وفي المقابل، لليأس عوامل واسعة ومنطقية للغاية، فما زال قطاعٌ من داعميه يعلنون مواصلة السير معه إلى الأبد، سواء من الفئات الشعبية، أو من النخب الخائنة، حتى أننا شهدنا أساتذة علوم سياسية يتاجرون بعلمهم، للتنظير أن "مصر لا تملك مقومات الديمقراطية الآن"، أو "حلم التداول السلمي للسلطة مؤجّل".
والأهم أن كل جهات القوة مستسلمة. داخلياً شهدنا في العامين الأخيرين كيف تم تدجين مؤسسات الدولة تدريجيا. جرى استبدال قادة الجيش الأقوياء، محمود حجازي وصدقي صبحي، بقادة جدد، الهيمنة على جهاز المخابرات العامة، القلب الصلب لدولة مبارك، تغيير قوانين الهيئات القضائية والأجهزة الرقابية، وتعيينه قيادات جديدة على رؤوسها.
خارجياً، الوضع أكثر فجاجة، يحظى السيسي بصديقه العزيز دونالد ترامب في البيت الأبيض، وبصديقه تاجر الرافال في باريس، وفي ألمانيا تعتبره المستشارة أنجيلا ميركل حليفها الرئيسي في وقف الهجرة عبر المتوسط، فضلاً عن مراجعاتٍ مؤسسيةٍ غربيةٍ شاملة، أصبح قطاع واسع منها يعلن أن الديمقراطية في المنطقة العربية ليست الخيار الآمَن لمصالحها، وأن الربيع العربي كان خطأ جسيماً.
في مواجهة كل هذه الصورة، على المعارضين أن يتعاملوا مستحضرين كامل العوامل، الأمل الزائف كاليأس الزائف، كلاهما يدمر المستقبل. وما كانت الثورة لتحدُث، لولا تراكم طويل، يمكن إرجاعه إلى العام 2005 أو إلى ما قبلها، ولم يكن كل من يبني حجراً وقتها يعرف ما مصير هذا البناء.
علينا أيضاً تعلم دروسٍ من ماضينا القريب، فالغرق في جدل الخيار الأفضل: المقاطعة أم التصويت بالرفض على أساس فردي عبث، فليقم الأفراد بما شاءوا، أما الكيانات فعليها التنسيق لموقفٍ موحد أيا كان، كما علينا الاستعداد لسيناريو ما بعد الاستفتاء، مستحضرين مساراً طويلاً وهادئاً.
وفي الصورة الكاملة بسياقها التاريخي، نعرف أنه لا مستحيلات، لم يكن أحدٌ في العالم يتوقع يوم 24 يناير/ كانون الثاني 2011 ما سيحدث بعدها. وظهرت تقارير عن إخفاق المخابرات الغربية في التنبؤ، كما نعرف أيضاً أنه لا حتميات، وأمامنا نماذج الحكم المزمن لبشار الأسد في سورية وعمر البشير في السودان وغيرهما.