لا أطباء في ريف حمص الشمالي

18 أكتوبر 2018
غياب كامل للجراحين (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -
بعد أشهر من سيطرة النظام السوري على ريف حمص الشمالي بدأت مشاكل كثيرة تتصدّر المشهد وتقف عائقاً أمام الأهالي هناك، كفصل الموظفين الحكوميين، وملاحقة المعلمين لسوقهم إلى الخدمة العسكرية، وكذلك النقص الكبير في الخدمات الطبية.

يشكو الريف الشمالي من قلة أعداد الأطباء فيه، الذين بدأ نزيفهم منه باتجاه دول اللجوء في منتصف عام 2011 هرباً من قبضة النظام الأمنية. عن تفاصيل الواقع الطبي في الريف الشمالي ونسبة الأطباء فيه حالياً مقارنة بما كان عليه قبل عام 2011، يوضح عضو مجلس مهجري منطقة الحولة الطبيب، فايز، لـ"العربي الجديد": "الريف الشمالي يرزح تحت واقع صحي صعب حالياً مع سيطرة قوات النظام عليه، ونسبة الأطباء الذين خرجوا منه باتجاه بعض الدول العربية وتركيا وأوروبا والشمال السوري كبيرة جداً، ففي منطقة الحولة تتعدى هذه النسبة 85 في المائة، وإذا كانت هناك إحصائيات دقيقة أعتقد أنّها قد تصل إلى97 في المائة". يضيف فايز: "في منطقة الحولة وحدها قبل عام 2011 كان هناك أربعون طبيب أسنان، وحالياً هناك ثلاثة، كما بلغ عددهم بكامل الريف الشمالي سنة 2016 ستة أطباء فقط.

ومن ناحية أخرى، فكثير من الاختصاصات بمدن الريف الكبرى، كتلبيسة والرستن والحولة، مفقودة، كالجراحين وأطباء القلب، فضلاً عن أطباء الأطفال، وهناك بلدات صغيرة لا يوجد فيها أطباء مطلقاً".



حول المراكز الصحية كالمستوصفات والمستشفيات، يقول فايز: "النظام حتى الآن لم يبذل أي جهد، وهذه المستوصفات بقيت على ما هي عليه حين سيطر النظام على مناطق الريف، خصوصاً المستوصفات الحكومية التي جرى تحويلها إلى مستشفيات ميدانية، وبالنسبة إلى مستشفى تلدو الذي حولته قوات النظام إلى ثكنة عسكرية منذ منتصف عام 2012، فقد انسحبت منه هذا العام بعد اتفاق التهجير الذي حصل في الريف الشمالي، وجرى تشغيله شكلياً فحسب، كون الكوادر لا تكفي لتشغيله وهو في حاجة إلى جميع التخصصات".

من جهته، يتحدث محمد، وهو أحد السكان، لـ"العربي الجديد" عن معاناته مع مرض طفلته الصغيرة: "قبل سيطرة النظام على الريف الشمالي بمدة، كانت ابنتي تعاني من آلام شديدة في البطن من ناحية الظهر، فبدأت بسؤال الأطباء في المنطقة وتوجهت إلى المستشفى الميداني، فأخبروني أنّ مشكلتها قد تكون في الكلية، وهي في حاجة إلى طبيب متخصص بالمسالك البولية، لتشخيصها بشكل دقيق ومعرفة ما تعانيه، لكن للأسف لم يكن هناك مثله، فاضطررت لإرسالها مع والدتها إلى مستشفى خاص في مدينة حمص، ليتبين حينها أنّ هناك غشاء يغلف الكلية ويمنع نموها، ما تسبب بضمور فيها". يتابع: "أبلغنا الطبيب في حمص حينها بوجوب نقلها إلى مدينة دمشق لتلقي العلاج علّه ينفع، ولو بشكل جزئي، وهذا ما حدث فعلاً، إذ ذهبت زوجتي إلى دمشق رفقة الطفلة لتلقي العلاج، وبعد سيطرة النظام على المنطقة بقي الوضع على حاله، ونحن الآن نأخذ الطفلة إلى دمشق لمتابعة حالتها. ليس في مقدورنا فعل شيء حالياً لها غير الصبر وترقب إرشادات الأطباء بين حين وآخر. كان وضعها أفضل بكثير لو جرى الكشف مبكراً على حالتها، إذ كان هناك أمل بنمو الكلية بشكل أفضل بحسب الطبيب في دمشق. لكن لا أعتقد أنّنا سنحصل في الريف الشمالي خلال فترة قصيرة على الرعاية الصحية المطلوبة فالنظام يهمشنا".



تقول أم يزن إنّ المشكلة الحالية بالنسبة لها هي طبابة أطفالها، إذ تشير إلى أنّ من الصعب أن يكون الطفل مريضاً ويتألم أمام عينيها ولا تجد طبيباً في الوقت المناسب لعلاجه قبل تفاقم حالته. تقول لـ"العربي الجديد": أفضل حلّ لدينا التوجه إلى الصيدلية للحصول على بعض المضادات الحيوية والأدوية المخفضة للحرارة، كونها تنفع في معظم الحالات المرضية العادية التي يمرّ بها أغلب الأطفال، أما عندما تستدعي الحالة طبيباً متخصصاً أتوجه بطفلي إلى أحد المستشفيات الخاصة بمدينة حمص فهي لا تبعد عن تلبيسة سوى دقائق بالسيارة. الكلفة باهظة، لكن ما باليد حيلة، فالمستشفى الوطني في مدينة حمص وغيره من المستشفيات الحكومية، خدماتها شديدة السوء وما زلنا نتخوّف منها".

كطبيب فضّل النزوح من ريف حمص يوضح، عدنان أبو الجود، لـ"العربي الجديد"، أنّ أسباباً كثيرة تدفعه لمغادرة منطقة يحكمها النظام، ففي منتصف عام 2011 اقتحمت قوات النظام منزله، وصادرت سيارته وبعض ممتلكاته، واقتادته إلى المعتقل ليقضي حينها أسوأ أيام حياته وأشدها قسوة على الإطلاق. يؤكد أنّه من المستحيل عليه أن يأمن على نفسه البقاء في المدينة بين عناصر النظام وقواته الأمنية مهما كلّفه الثمن، فقد يلاحق أو يعتقل لأهون الأسباب، فضلاً عن الأحوال المادية المتردية للأهالي هناك.