جدل كثيف أحدثته تعديلات أخيرة لحكومة السودان على القانون الجنائي، وخففت بموجبها عقوبة الزاني المحصن من الرجم إلى الإعدام شنقاً، فضلاً عن تعديل آخر تجاهلت بموجبه إيراد لفظ الردّة في القانون. وهو ما اعتبره مراقبون استجابة حكومية إلى مطالب دولية، باعتبار المادتين تتعارضان مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يشدد على عدم تعريض أي إنسان إلى التعذيب أو العقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية، أو التي لا تليق بالكرامة.
بدأ متشددون تحركات مناهضة للتعديلات، ترافقهم فيها هيئة علماء السودان ومجمع دار الإفتاء السوداني. وذلك في محاولة لإلغائها باعتبارها مخالفة للشريعة الإسلامية، ولا سيّما إسقاط حدّ الردّة، عبر التأثير على البرلمان الذي حولت إليه الحكومة التعديلات الجديدة للمصادقة عليها باعتباره الهيئة التشريعية العليا.
سنّ القانون الجنائي في عام 1991 أي بعد أقل من عامين على وصول النظام الحالي في الخرطوم إلى الحكم. وهو نظام أقر نهج تطبيق الشريعة عبر نصوص أوردت في القانون الجنائي ولاقت انتقادات لاذعة يومها من قبل المعارضة والغرب عموماً.
جاء القانون الجنائي خلفاً لقانون العقوبات 1983 المثير للجدل، والذي عرف وقتها بقوانين سبتمبر ذات الخلفية الإسلامية. فقد شمل قانون 1983 عقوبات حَدِيّة وتعزيرية، وبموجبه أعدم زعيم الحزب الجمهوري محمود محمد طه بتهمة الردة في يناير/ كانون الثاني 1985، كأول سوداني تطبق عليه عقوبات الحدود.
لكنّ مادة الردّة أثارت في الفترة الأخيرة الكثير من الجدل، وجرى تدويلها عقب حادثة السيدة السودانية مريم يحيى التي حكم عليها بالإعدام بتهمة الردّة لزواجها من مسيحي قبل أن تتدخل قوى دولية وتزيح عنها شبح الإعدام شنقاً. استقرت يحيى أخيراً في الولايات المتحدة مع زوجها الجنوب سوداني صاحب الجنسية الأميركية.
التعديلات الأخيرة الخاصة بمادة الردّة ألغت الكلمة واستبدلتها بـ"الترويج للخروج عن الإسلام والمجاهرة به". فالبعض يرى أنّ وجود مادة "الردّة" في القانون تسبب في إشاعة الإرهاب والتكفير واستسهال الاتهام بهما، فضلاً عن اتخاذها ذريعة لاغتيال الخصوم السياسيين، في إشارة إلى اتهام زعيم حزب المؤتمر الشعبي الراحل حسن الترابي بها أكثر من مرة بسبب فتاويه الجدلية، فضلاً عن اتهامات مماثلة لرئيس حزب الأمة الصادق المهدي.
لكن، طوال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية لم تطبق عقوبتا الردة وهي الإعدام شنقاً، أو عقوبة الزاني المحصن وهي الرجم، على أحد من المدانين بها. وهو ما يدفع البعض إلى الاعتقاد أنّ التعديلات ليس المقصود منها غير رسالة سياسية إلى الغرب أنّ الحكومة السودانية تقدم تنازلات خاصة بالمواقف المتشددة المتصلة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وإظهار المرونة في المسائل الدينية.
من جهتها، طالبت هيئة علماء السودان البرلمان بعدم اعتماد التعديلات الأخيرة بخصوص الزاني المحصن والردّة. وشددت على ضرورة الالتزام بالشريعة، ورأت أنّ التعديلات تخالف النصوص الثابتة في الشريعة.
ووجدت قضية تغيير عقوبة الزاني المحصن من الرجم إلى الإعدام شنقاً، الاهتمام والنقاش الأكبر في الأوساط السودانية. ورأى البعض أنّ ما جرى لا يعدو كونه تغييراً في طريقة الموت من الرجم إلى الشنق. فالأجدر بحسبهم إسقاط العقوبة نهائياً، لعدم وجود نص قرآني يشير إلى عقوبة القتل، والأحاديث التي رويت في ذلك الجانب ضعيفة.
أما رافضو التعديلات فيعتبرون أنّ الحكومة جاءت بفعل محرّم لإرضاء الغرب الذي يتهمها بانتهاك حرية الأديان. ويشيرون إلى أنّها بذلك تغير قوانين الشريعة، فالحدود لا يحق لأحد بتعديلها بل تطبق كما هي. كذلك، أكد هؤلاء أنّ حدّ الرجم طبق في عهد النبي محمد والصحابة وتسنده أحاديث قوية.
من جهته، قال المنسق العام لتيار الأمة الواحدة الإسلامي محمد علي الجزولي إنّ مجلس الوزراء ووزارة العدل خارج دائرة الاختصاص الشرعي لإلغاء العقوبة أو تغييرها. ورأى أنّ الخطوة هي لإرضاء الولايات المتحدة: "هو ليس موضوع قانون أو خلاف فقهي أو قضية سياسية، بل مواجهة منهجية باطلة وناقضة للإيمان والتوحيد".
لكنّ القيادي في المؤتمر الشعبي المعارض أبو بكر عبد الرازق أكد من جهته أنّ الأدلة التي يستند إليها مؤيدو رجم الزاني المحصن "باطلة". ورأى أنّ تعديل الحكومة نفسها باطل شرعاً وقانوناً: "الغاية واحدة وهي القتل، أكان شنقاً أو رجماً".