لاجئ ثمانيني يحطّ الرحال في لندن

31 أكتوبر 2018
هو فخور بمؤلّفه (العربي الجديد)
+ الخط -


يوم دخل خالص العياشي إلى بريطانيا كلاجئ، كان يبلغ من العمر ثمانين عاماً. ربما يستغرب كثيرون الأمر، إذ إنه من النادر أن يترك إنسان بلاده في مثل هذه السنّ، بيد أن الحرب الدائرة في مسقط رأسه سورية أرغمته على الرحيل. وعلى الرغم من المعاناة الصعبة التي اختبرها، فإن الابتسامة لا تفارقه ويبدو متفائلاً و"سعيداً بما قسمه الله لي".

في مقرّ إقامته في العاصمة البريطانية، التقت "العربي الجديد" العياشي، الذي راح يتحدّث عن كتاب له بعنوان "حياتك كيف تحياها"، مشيراً إلى أنه "موجّه خصوصاً إلى النشء الصاعد لا إلى الذين خبروا الحياة". ويشرح أنّه "للطلاب الذين ينهون دراستهم ويدخلون معترك الحياة المختلف كلياً عمّا نتعلّمه على مقاعد الدراسة. فالطالب المتفوّق ربما يفشل في الحياة". يضيف العياشي أن "الأفكار التي قدمتها كخبرات حياتية ليست في الحقيقة من بنات أفكاري وحدي. فقد استندت في ما عرضته إلى أقوال فلاسفة وكتّاب قدامى ومعاصرين وكذلك شعراء وحكماء وبلغاء. كذلك استندت إلى ما ورد في الكتب السماوية. وكتابي يتناول علاقة الناس والمجتمع مع التعاليم الدينية، وعقلية العرب منذ أيام الجاهلية وحتى يومنا". ويتابع: "ثمّة من ينتقد الكتاب ويقول إنّ كل شخص يخوض الحياة ويواجه ما فيها، ومن غير الضروري تعليمه كيفية التصرف. لكنني أرد هنا وأسأل: لماذا لا نساعد الشخص على تجنّب أخطاء كثيرة؟".

العياشي من مواليد مدينة إدلب شمالي سورية، في الأول من أغسطس/ آب 1937، أتمّ دراسته الإعدادية فيها قبل أن ينتقل ليكمل دراسته في مدينة حلب، في مدرسة المأمون. يقول: "اخترت فرع الاجتماعيات من بين أربعة فروع كانت متوفّرة في ذلك الحين. وعندما أنهيت دراستي الثانوية، أعلنت وزارة التربية والتعليم التي كانت تُعرف باسم وزارة المعارف مسابقة في صيف 1956، ترسل على أثرها بعثات إلى الخارج ومنها على علاقة بدراسة الآثار العربية والإسلامية، والإخراج المسرحي والإذاعي وتخطيط المدن والخدمة الاجتماعية. وجدت أنّ الخدمة الاجتماعية قد تكون مناسبة لي، فشاركت في المسابقة واحتللت المرتبة الثانية في سورية. أرسلت إلى مصر آنذاك للدراسة في معهد عال في القاهرة، لكنّنا تأخرنا في الوصول، بسبب العدوان الثلاثي أو حرب 1956 وتأميم قناة السويس، فخسرنا مقاعدنا الدراسية. لكنّنا انتقلنا إلى المعهد العالي في الإسكندرية، وأمضيت أربعة أعوام هناك في دراسة الخدمة الاجتماعية".




بعد ذلك، عاد العياشي إلى سورية حيث عمل في وظائف عديدة منها التعليم وأخرى إدارية، ومنها العمل في وزارة تخطيط الدولة ومديرية تخطيط المنطقة الشمالية. وفي خلال عمله مديراً للتخطيط، ابتعث للدراسة في مركز الدراسات السكانية في جامعة كارديف في ويلز عام 1975، حيث درس النموّ السكاني لمدّة 11 شهراً. يروي العياشي أنّ "زوجتي كانت حاملاً آنذاك، لكنها التحقت بي في كارديف بعد إنجابها طفلتنا، وهي ابنتي الوحيدة. أنهيت الدراسة وعدت إلى البلاد. حصلت زوجتي في ذلك الحين على وظيفة في التدريس في السعودية، وبما أنّ الرواتب كانت متدنية في سورية، توجهنا إلى الرياض حيث عملت في وظائف متنوّعة. وفي صيف 2001 غادرنا السعودية، واستقررنا في بيتنا في حلب وقد تقاعدنا. لكننا بقينا نشارك في أعمال اجتماعية تطوعية".

هنا يقضي أيامه (العربي الجديد)


وحلّ عام 2011. حاول العياشي وزوجته البقاء في البلاد، وتحمّل الظروف الصعبة والقصف وفقدان الأمن وحوادث الاختطاف. لكنهما فقدا الأمل في سبتمبر/ أيلول من عام 2012، فسافرا مع ابنتهما وعائلتها إلى الإسكندرية، وأقام الجميع هناك عاماً كاملاً. عجز صهره عن إيجاد أيّ عمل، فانتقل إلى مرسين في تركيا مع عائلته، ليلحق العياشي وزوجته به. يخبر: "مكثنا أربعة أعوام في تركيا، بينما كانت زوجتي تتلقى علاجاً لمرض السرطان. وتقدّمنا بطلب لجوء إلى بريطانيا في مارس/ آذار من عام 2016 عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كان صهري قد سبقنا إلى هناك بطريقة غير شرعية انطلاقاً من إسطنبول، مروراً بروما وباريس وصولاً إلى لندن. وعقب حصوله على الإقامة، طلب لمّ شمل لزوجته وأطفاله الذين حصلوا على الموافقة ولحقوا به في غضون عام ونصف العام".




أتت الموافقة على طلب لجوء العياشي وزوجته في عام 2017، وطُلب منهما انتظار تحديد موعد السفر. لكنّ زوجته توفيت في تلك الأثناء. يقول: "سافرت وحيداً ووصلت إلى مطار لندن هيثرو، حيث كان ينتظرني ممثل عن بلدية مقاطعة هانسلو وابنتي وزوجها. وكانت البلدية قد خصّصت لي سكناً وراتباً أسبوعياً. وبعد أيام، اصطحبوني إلى مركز الصحة لإجراء الفحوص اللازمة والتأكد من أنّني بصحة جيدة. كذلك، أعطوني بطاقة للتنقل مجاناً في المواصلات العامة". هي أمور بسيطة يحتاج إليها كلّ مسنّ في أيّ بلد من العالم، ويرى العياشي فيها "راحة بال وطمأنينة وأماناً". وبامتنان يتحدّث عن واقعه، في القاعة الصغيرة التي يجتمع فيها يومياً مع أصدقاء له من جنسيات مختلفة يقيمون في المبنى ذاته، الذي خصّصته البلدية لهم وسط حديقة جميلة.