لاجئ تحدى الموت من داريّا إلى السويد

29 سبتمبر 2014
اشترط على أهله الصعود في قارب واحد (فرانس برس)
+ الخط -
سنة كاملة أمضاها وائل معتقلاً. تنقل خلالها بين فروع الاستخبارات السورية، وذلك على خلفية مشاركته في الاحتجاجات ضد النظام السوري، التي انطلقت في مدينته داريا، التي ولد فيها وترعرع. داريّا أكبر مدن الغوطة الغربية لدمشق، التي أثارت سخط النظام على أهلها بسبب ثورتها المستمرة، وصمودها أمام محاولاته للسيطرة عليها.
بعد خروجه من المعتقل، توجه وائل إلى مدينته التي يسيطر عليها الجيش الحر. وقد هرب إليها خوفاً من احتمال اعتقاله مجدداً. فهو يعرف أن مجرد خروجه من أقبية الاستخبارات، يمثّل، بلا شك، ولادة جديدة له. أمضى في مدينته عدة أشهر، يتأقلم مع قصف النظام اليومي لها. وهناك أصبح وائل عضواً في المجلس المحلي للمدينة. وهو المجلس الذي أسسه ثوار المدينة لإدارة شؤونها الخدمية والإغاثية، بعد تخلي مؤسسات النظام عنها.
وجرى تعيين وائل مندوباً خارجياً للمجلس، ما سمح له بالتوجه إلى لبنان ومنه إلى تركيا. هناك عمل على التنسيق مع مؤسسات المعارضة السورية، والمنظمات الاغاثية والتنموية الدولية، لتأمين أكبر دعم ممكن لمدينته المنكوبة. وخلال إقامته الطويلة في تركيا، لجأت عائلته المكونة من والديه وأخته التي فقدت زوجها في الحرب، وابن اخته الذي لم يبلغ عاماً واحداً، إلى مدينة الاسكندرية في مصر. وبعد أشهر زارهم وائل. هناك فاجأه والده بفكرة عبور البحر في مراكب الموت، من الإسكندرية إلى إيطاليا، بسبب ما يعانونه، كسوريين في مصر، من أوضاع صعبة.
رفض وائل الفكرة في البداية إلا أن إصرار والديه دفعه للموافقة. لكنّه اشترط عليهم أن يصعدوا جميعاً في قارب واحد. هكذا سيموتون معاً، أو يصلون إلى أوروبا معاً. وهو الشرط الذي جعل أهله يفكرون ملياً، قبل أن يخبروه بموافقتهم عليه. إلى البحر بدأ وائل بالبحث والاتصال بمهربي البشر المصريين والسوريين العاملين في الإسكندرية. وتمكن، بعد أيام، من العثور على أحدهم. وحصل منه، بسبب صلة قرابة بعيدة، على سعر مخفض بلغ 2000 دولار أميركي عن الشخص الواحد. بعد أيام، حان موعد الانطلاق.
توجه الجميع فجراً إلى منطقة شاطئية نائية قرب الإسكندرية. هناك حملهم قارب صيد صغير مع أغراضهم، وأوصلهم إلى قارب أكبر، كان ينتظرهم وسط المياه الإقليمية المصرية، كي لا يلفت انتباه خفر السواحل. حمل وائل وأهله الكثير من الماء والمعلبات ومستلزمات الأطفال معهم. وتحدّوا في ركوبهم البحر كلّ أحلامهم في سقوط النظام السوري والعودة إلى داريا. رموا تلك الأحلام في البحر، وقرروا المقامرة بحياتهم بحثاً عن حياة أفضل. بعد ثلاثة أيام من الخوض في البحر المتوسط باتجاه ايطاليا، بدأت المؤن بالنفاد. وبدأت معها عصبية الركاب، الذين عمدوا في كثير من الأحيان إلى التضارب. كان على وائل أن يضرب ويُضرب، ليدافع عن ماء عائلته ومعلباتها، من نهب زملائه الجائعين، في رحلة الموت. بعد يومين قضاهما وائل وقوفاً، هاج البحر وبدأ المركب بالتقلب بين أمواجه.
بدأ مع الأمواج صراخ وبكاء كبيران، في ظلمة ليل البحر. لكنّ العاصفة هدأت بعد ساعات، ليعلن الربان المصري عن تعطل محرك المركب. مرت ساعات الصدمة الأولى على الركاب، بعد سماعهم الخبر، بسرعة، بسبب جدالهم المستمر حول ما يجب أن يقوموا به. لكنّهم تفاجأوا بعد ذلك بحاملة نفط إنكليزية تمرّ قربهم. تواصل وائل مع قبطانها عبر اللاسلكي وطلب إليه إنقاذهم، وفق ما تقتضيه أعراف البحار. استجاب القبطان بعد جدال، وصعد اللاجئون إلى ظهر حاملة النفط. أوصلتهم إلى المياه الإقليمية الإيطالية. هناك تسلمتهم مراكب الصليب الأحمر الإيطالي، وأوصلتهم إلى اليابسة، بعد تسعة أيام أمضوها في البحر.
في جزيرة كروتوني الإيطالية، عادت الأنفاس إلى وائل من جديد. أعطى ابن أخته لأمه بعد أيام من احتضانه. وأسرّ لشقيقته أنّه كان ينوي إنقاذ الطفل إذا تمكن، وترك بقية العائلة للبحر. وبعد فترة في إيطاليا، وصلت العائلة إلى مدينة مالمو السويدية. لتبدأ بعدها إجراءات الحصول على اللجوء والإقامة في السويد. وهي الإجراءات التي ينتظرها وائل، ليتمكن من العودة مجدداً إلى تركيا، ويكمل عمله في خدمة أبناء مدينته الصامدين المنتظرين.