لاجئو لبنان في زمن كورونا

17 ابريل 2020
لاجئون سوريون في برج حمود شمال بيروت (Getty)
+ الخط -
انتشر أخيراً على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو للاجئ سوري مقيم في سهل البقاع اللبناني، يقدم فيه على حرق نفسه، على خلفيّة الأوضاع المعيشيّة  الصعبة التي تعيشها عائلته. 

تبيّن لاحقاً أن اللاجئ الذي توفّي فيما بعد فقد عمله في وِرَش البناء منذ مدّة بسبب الظروف الاقتصادية المتدهورة، وبذلك فقد قدرته على دفع إيجار منزله الذي يقطنه مع زوجته وعائلات أبنائه، كما فقد القدرة على إعالة هذه العائلات.

أعاد الحادث التذكير بالظروف المأساويّة التي يعيشها اللاجئون السوريون في لبنان، والتي فاقمت من حدّتها تداعيات أزمة فيروس كورونا وإعلان التعبئة العامّة في البلاد.

فهذه الشريحة من المقيمين في البلاد يتجاوز تعدادها المليون ونصف مقيم، فيما لا تتجاوز نسبة المقيمين بشكل قانوني ومنظّم أكثر من 22% منهم بحسب أرقام منظمة هيومن رايتس واتش.

ولذلك تعتمد الغالبيّة الساحقة من هذه الشريحة الاجتماعية على أنشطة اقتصادية غير مستقرّة، من خلال العمالة المُياومة وغير المنتظمة. وهكذا، تفتقد هذه الشريحة تحديداً لأي مصدر دخل اليوم في ظل الإقفال الشامل الذي تعيشه البلاد بفعل أزمة فيروس كورونا.
في الواقع، شهد العام الماضي العديد من الأحداث التي ارتبطت باللاجئين السوريين بشكل مباشر، والتي وضعتهم في موقع هش أمام الأزمة المستجدّة التي تعيشها البلاد اليوم.

فخلال العام الماضي، تعرّض اللاجئون لحملة إعلاميّة وسياسيّة قاسية، استهدفت الأنشطة الاقتصادية المستقرّة والمنتجة القليلة التي تمكّنوا من القيام بها رغم جميع القيود القانونيّة.

وفي ذلك الوقت، رفعت هذه الحملة شعارات شعبويّة من قبيل "مكافحة توطين اللاجئين"، مع كل ما تثيره فزّاعة التوطين من هواجس متعلّقة بالتوازنات الديموغرافيّة الطائفيّة.

أدّت هذه الحملة إلى تدخّل السلطة بكل أذرعها الأمنيّة والمدنيّة، لمكافحة "شبح التوطين" هذا، حيث تشددت جميع الأجهزة الحكوميّة في مكافحة الأنشطة الاقتصادية التي يشرف عليها أو يعمل فيها اللاجئون السوريون. مع العلم أن الغالبيّة الساحقة من هذه الأنشطة أو الوظائف، التي أدارها أو عمل فيها اللاجئون، لم تشكّل منافسة فعليّة مع المهن أو الوظائف التي تشغلها اليد العاملة اللبنانيّة.
وفي كل الحالات، أدّت هذه الأحداث إلى دفع اللاجئين أكثر وأكثر باتجاه اقتصاد الظل، وباتجاه العمالة غير المستقرّة التي تُعد الضحيّة الأولى لأزمة الإقفال التام الذي يعيشه لبنان اليوم.

كما أدّى هذا النمط من التعامل مع اللاجئين إلى فقدانهم لكل شبكات الحماية الاجتماعية التي يمكن أن يلجؤوا إليها في مثل هذه الظروف، والتي توفّرها عادةً صناديق الضمان والتعاضد للمهن المستقرّة، وبالأخص تلك القادرة على توفير الرعاية الصحيّة اللازمة.

وبمعزل عن عوامل الهشاشة هذه، لم تتوانَ السلطات المحليّة في لبنان عن فرض المزيد من التضييق على اللاجئين في ظل أزمة كورونا. فبينما خضع جميع المقيمين على الأراضي اللبنانيّة لتدابير عامّة تقيّد أوقات وأسباب التجوّل، خضع اللاجئون السوريّون في الكثير من المناطق لقيود إضافيّة مجحفة وغير إنسانيّة، وهو ما فاقم من سوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها.

ففي مناطق معيّنة، فرضت بعض البلديات منع التجوّل التام على العائلات السوريّة المقيمة فيها، وصولاً إلى حد حصر حق الخروج من المخيّمات بشخص واحد لشراء الحاجيّات الأساسيّة، مع ضرورة التنسيق مع البلديّة للقيام بذلك. 

وبحسب هيومان رايتس واتش، تجاوز عدد البلديات التي فرضت حظر التجوّل على اللاجئين الـ330 بلديّة، بينما لم يخضع سائر المقيمين من لبنانيين وأجانب سوى لشروط أقل وطأة بكثير.

ما تعنيه هذه الإجراءات الجديدة ببساطة هو تشديد الخناق على اللاجئين في هذه المحنة. فبينما سمحت إجراءات التعبئة العامّة المعمول بها اليوم بالتجوّل في ساعات محددة وبالقيام بأنشطة اقتصادية إنتاجيّة محددة ووفق ضوابط صحيّة معقولة، يمنع هذا النوع من الإجراءات اللاجئين السوريين من الانخراط في أي نشاط اقتصادي يوفّر لهم مقوّمات الصمود خلال هذه المحنة.

أزمة اللاجئين السوريين تصاحبها أزمة - وإن كانت أقل حدّة - تتعلّق بالفلسطينيين المقيمين في مخيّمات اللجوء، الذين يتجاوز عددهم النصف مليون نسمة وفق آخر إحصاء لوكالة الأونروا جرى العام الماضي.

وهذه الشريحة تعاني بدورها من تضييق الخناق عليها تاريخيّاً، بسبب قوانين العمل اللبنانيّة التي تحظر ممارستها لمعظم المهن الحرة والوظائف المستقرّة.

وعمليّاً، يؤدّي هذا الواقع إلى وضعها أيضاً في مصاف الشرائح الاجتماعية الأكثر تضرّراً من الوضع الراهن، ومن التوقّف التام للعجلة الاقتصادية، في ظل اعتمادها على وظائف وأنشطة اقتصادية أقل استقرارا من تلك التي يعتمد عليها اللبنانيون.
حتّى اللحظة، لا تزال الدولة اللبنانيّة عاجزة عن المبادرة إلى خطّة للتعامل مع وضع اللاجئين السوريين والفلسطينيين في البلاد، والذين يتجاوز تعدادهما معاً المليوني نسمة، أي حوالي الـ29% من مجمل سكّان البلاد إذا أخذنا بأرقام البنك الدولي لتعداد السكّان.

أمّا التعامل الإعلامي للسلطة مع الموضوع، فاقتصر على تقاذف المسؤوليّات مع وكالات الأمم المتحدة وسائر المنظّمات الأجنبيّة التي تُعنى عادةً بالموضوع.

إنّ التعامل اليوم مع أزمة اللاجئين في لبنان بات مسؤوليّة أخلاقيّة بالدرجة الأولى، لتوفير مقوّمات الصمود لهذه الشريحة الاجتماعية، وتفادي حصول كارثة إنسانيّة لا تُحمد عقباها.

ومن الناحية الواقعيّة، إذا كانت الدولة اللبنانيّة فعلاً راغبة ببذل كل الجهد للتخلّص من المخاطر التي تفرضها أزمة فيروس كورونا، فمن المستحيل تحصين البلاد في وجه هذه الأزمة المستجدّة دون تحصين هذه الشريحة بالذات من نواحي الأمن الصحّي والاجتماعي إلى أقصى حدود.

فالفشل في توفير الأمن الصحّي اللازم للاجئين يعني عملياً ترك مساحة واسعة لتفشّي الوباء في أوساطهم، ونجاح جهود التعبئة العامّة التي أعلنت عنها الحكومة يقتضي توفير مقوّمات التزام هذه التعبئة لجميع الفئات، وفي طليعتها الفئات المهمّشة اقتصاديا كفئة اللاجئين.
المساهمون