يبقى العمل هاجساً لدى غالبية اللاجئين السوريين، بمجرد وصولهم إلى ألمانيا. يسعى هؤلاء إلى العمل من أجل جني المال بسرعة وتأمين متطلبات عائلاتهم، ومساعدة أقاربهم الذين بقوا في سورية. يرغبون في بدء حياة جديدة، إلا أنهم يصطدمون غالباً بالقوانين الصارمة.
تسمحُ ألمانيا للاجئين بالعمل بصفة شرعية. إلا أن كل من يتقدم بطلب لجوء يمنع من العمل خلال الأشهر الثلاثة الأولى. وبعد انقضاء هذه الفترة، يمكنه البحث عن عمل، لكن بشروط. أما بالنسبة لطالبي اللجوء من البلدان المصنفة "آمنة"، على غرار دول غرب البلقان، فلا يسمح لهم بالعمل حتى الانتهاء من البت في طلبات لجوئهم. كذلك، يُرفض طالب اللجوء في وظيفة يمكن أن يقوم بها شخص ألماني أو من دول الاتحاد الأوروبي، وذلك ضمن قاعدة "اختيار الأسبقية". إلا أن العمل ضمن هذه القاعدة ينتهي بعد مرور 15 شهراً على تواجد اللاجئ في ألمانيا. وبمجرد الموافقة الرسمية على حق اللجوء، يصبح بإمكان اللاجئ العمل من دون قيود، علماً بأن القرار بالموافقة قد يستغرق وقتاً طويلاً.
بالإضافة إلى ما سبق، توجد صعوبات أخرى قد تشكّل عائقاً أمام هؤلاء لإيجاد فرص عمل بصفة شرعية. أبرز هذه المعوقات هي اللغة، وشروط التسجيل في مكتب العمل التي تستغرق وقتاً طويلاً. وفي حال وجد اللاجئون فرصة عمل، عادة ما يكون المردود المالي قليلاً جداً، ولا يزيد عما يتقاضونه من الدولة. لذلك، يلجأ البعض إلى العمل بطرق غير قانونية أو ما يسمى بالعمل "الأسود" أي من دون التسجيل في مكتب العمل، ولكون هذا الأمر غير شرعي، فإن مرتكبه يحاسب عليه في حال انكشف أمره. وعلى الرغم من معرفة اللاجئين بخطورة الأمر، يصرّون على القيام به طمعاً في الحصول على مزيد من المال، (المساعدة الاجتماعية التي تقدمها لهم الدولة، وما يتقاضونه من عملهم).
قبل نحو عام، حصل عماد (28 عاماً) على حق اللجوء في ألمانيا، علماً بأنه كان قد تخرج من كلية العلوم في دمشق. يقول: "لم أستطع العثور على عمل في مجال تخصصي، وقد أمنت لي الدولة عملاً في غسل الصحون. عملت هناك لفترة ثم بدأت العمل بالأسود في ورشة لتصليح السيارات. أتقاضى أجراً مقبولاً يضاف إلى المساعدة الاجتماعية التي تعطيني إياها الدولة". يضيف أنه مضطر إلى العمل بطريقة مخالفة للقوانين "لأنه من الصعب الالتزام بقوانين العمل الألمانية".
أما أحمد (34 عاماً)، فكان قد غادر سورية بعدما اقترض المال من أقربائه ليدفع تكاليف رحلته إلى ألمانيا. في الوقت الحالي، يعمل في أحد المقاهي ويتولى أعمال التنظيف، بالإضافة إلى المساعدة الاجتماعية من الدولة الألمانية. وقد صار قادراً على إيفاء جزء من ديونه. يعد نفسه محظوظاً في الوصول إلى ألمانيا، مشيراً إلى "أنني فعلت المستحيل للوصول إلى ألمانيا، ولن أكتفي بالمبلغ الذي تعطيني إياه الدولة. كذلك، فإن العمل بصورة شرعية لن يحقق طموحاتي وأهدافي، وأتمنى ألا يُكشف أمري، حتى لا يرسلوني مجدداً إلى سورية".
اقرأ أيضاً: المهاجرون ينقذون ألمانيا من الشيخوخة
لا يكترث اللاجئون للعقوبات التي قد يواجهونها. كل ما يهمهم هو جني المال بأسرع وقت ممكن من أجل تحسين حياتهم بعد معاناة طويلة. يضيف أنه يأمل في أن يبقى قادراً على مساعدة عائلته التي لم تستطع الهرب إلى ألمانيا. ويلفت إلى أن عدداً كبيراً من السوريين تخلّوا عن كل شيء وسعوا جاهدين إلى الوصول إلى ألمانيا. واليوم، باتوا مستعدين لسلوك طرق مختلفة من أجل النهوض من جديد، وبدء حياة جديدة وإن كانوا يخالفون قوانين البلد الذي لجأوا إليه.
تجدر الإشارة إلى أن العمل الشرعي يتطلّب خبرة في كثير من الأحيان. وعادة ما يخضع الراغبون في العمل لفترة تجربة، بهدف التأكد من مدى إتقانهم العمل قبل قبولهم رسمياً. إلا أن أكثر ما يقف في وجه اللاجئين ويعيق فرص حصولهم على عمل جيد هو اللغة، وطول فترة التدريب المهني (ثلاث سنوات). ويعد هذا الوقت طويلاً بالنسبة للاجئين. وبالنسبة إليهم، يعد هذا تبريراً كافياً للانخراط في أعمال غير شرعية، كالمطاعم وأعمال التنظيف وقطاع البناء وتصليح السيارات وغيرها، بهدف زيادة دخلهم الشهري.
وبطبيعة الحال، لا يلقى الأمر استحسان الألمان. ويرى هؤلاء أن على اللاجئين تعلّم احترام القوانين، وأنه ليس في إمكانهم الحصول بسهولة على ما يرغبون به من خلال مخالفة القوانين. فإذا رغبوا في البقاء في ألمانيا، عليهم الالتزام بجميع ما تفرضه قوانين هذا البلد.
في السياق نفسه، يقول كارل ألكسندر (40 عاماً)، وهو محام ألماني، إن "العمل بالأسود يعد مخالفاً للقوانين، ومن المعيب أن يتقاضى هؤلاء اللاجئون المساعدة الاجتماعية من الدولة، ويعملون بطرق غير شرعية في الوقت نفسه. هذه إهانة للمجتمع الألماني وللحكومة التي تدفع لهم هذه الأموال. إذا أرادوا كسب المال، عليهم تعلم اللغة والاندماج بشكل جيد. هكذا سيحصلون على عمل يناسبهم من دون الدخول في متاهة العمل غير الشرعي".
اقرأ أيضاً: ألمان يخشون على قيمهم من اللاجئين