لاجئون على أرصفة بيروت

04 سبتمبر 2020
السفارة السودانية لا تتحرّك من أجل مواطنيها (حسين بيضون)
+ الخط -
يغيب نبض الحياة عن شوارع بيروت ليلاً، ليبقى صوت اللاجئين الأفارقة والمشرّدين والعمّال والعاملات الأجانب المصروفين من أعمالهم والعالقين في لبنان منذ أشهرٍ عدة. هؤلاء لم يجدوا مكاناً غير الأرصفة أمام سفارات بلادهم أو بمحاذاة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حيث يمضون نهارهم وينامون في العراء وبالكاد يجدون ما يأكلونه، بينهم كبار في السن وأطفال ومرضى، من دون أي تحرّك من المعنيّين.
وعلى الرغم من ارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا في لبنان، وفرض الإقفال وحظر التجول لأيام عدة، تُضاف معاناة هؤلاء إلى ضحايا ومتضرّري الانفجار الأخير. الوضع الراهن شرّد مئات العاملات الأجنبيات من الجنسيات الإثيوبية والغانية والنيجيرية وغيرها، بعد استغناء أرباب العمل عنهنّ من جرّاء الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الأميركي.
 
أسرى بطاقة سفر
 
اتخذ نحو 70 عاملاً سودانيّاً من الشارع المقابل لسفارة بلدهم في العاصمة بيروت ملجأً منذ نحو 5 أشهر، علماً أنّ ثلاثين آخرين كانوا قد تمكّنوا من العودة إلى ديارهم من خلال فاعل خيرٍ لبناني تكفّل بتغطية تكاليف سفرهم، بحسب أحد الناشطين واللاجئين السودانيين، يدعى عبد الباقر. يقول: "ارتفع عدد العمّال السودانيّين من الرجال والنساء الراغبين بالعودة إلى وطنهم إلى نحو 2700 منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى اليوم، بعد صرفهم من أعمالهم وتفاقم الأزمة المعيشية والاقتصادية. وقد حصل 900 منهم على إعفاء من رسوم الإقامة، إلا أنّهم عاجزون عن تأمين تكاليف تذاكر السفر".
لاجئون سودانيون في لبنان (حسين بيضون)
 
ويُحذّر عبد الباقر من أنّ "500 عامل يعانون من حالات إنسانية حرجة جداً، فهم عاجزون عن تأمين مأوى وطعام أو حتّى دواء، كما أنّهم غير قادرين على دفع ثمن بطاقة السفر لمغادرة لبنان فباتوا مشرّدين وعالقين في الشوارع أو ضيوفاً لدى أحد أصدقائهم ومعارفهم، يمضون أيامهم ولياليهم بما تيسّر من طعام يقدمه البعض إليهم". ويشير إلى أن "سبل النظافة والوقاية الشخصية معدومة. كانوا يعتمدون على دورات المياه في المقاهي والمطاعم قبل قرار إغلاق البلاد، ما قد يؤدي إلى انتشار فيروس كورونا وغيره من الأمراض".
من جهته، يقول حسن محمد فضل، وهو عامل سوداني قدم إلى لبنان منذ 9 سنوات وصُرفَ أخيراً من عمله في أحد الفنادق من دون أي تعويضٍ يُذكر، لـ"العربي الجديد": "طُردت من المنزل الذي كنت أسكنه مع رفاقي بعد عجزنا عن تسديد بدل الإيجار، وأصبحنا منذ نحو 5 أشهر مشرّدين في الشوارع، ننام في مقابل سفارة بلادنا". يضيف: "كنّا نتقاضى رواتبنا على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد، ما يعني أنّه لا قيمة شرائية له اليوم".
قضايا وناس
التحديثات الحية
فضل، الذي يعاني من مشاكل في الكلى، ويحتاج إلى عملية جراحية لا يملك تكاليفها الباهظة، يناشد دولته أن ترأف به وبالآخرين وتعيدهم إلى وطنهم. "نحن هنا من دون مأوى أو مال، ومن دون طعام أو تأمين صحي أو غير ذلك. كما أنّ زوجتي وأولادي الثلاثة في السودان باتوا اليوم من دون أيّ موردٍ مادي، إذ كنتُ أرسل إليهم ما أجنيه في لبنان". 
أمّا جبير عبد الحميد جبير، العامل السوداني المتزوّج والذي ترك خلفه سبعة أولاد، فيقول لـ"العربي الجديد": "منذ ثمانية أشهر وأنا عاطل من العمل. لجأتُ إلى منزل أصدقائي قبل أن أصبح وإيّاهم في الشارع بعد عجزهم بدورهم عن دفع بدل الإيجار. ننام منذ شهرين في مقابل السفارة، لكنّ أحداً لم يتحرّك لمساعدتنا".
لاجئون سودانيون في لبنان (حسين بيضون)
 
من جهته، يقول اللاجئ السوداني عمر إسماعيل محمد إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يعيش على الرصيف المقابل للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي لم تنظر بملفّه حتى اليوم، لكنه انضم للمعتصمين قرب سفارة بلاده علها تعيده إلى وطنه حيث عائلته وأولاده الستة. يضيف: "نعيش في لبنان ما هو أخطر وأشدّ قسوةً من الخطر الأمني الذي دفعني إلى ترك السودان. منذ عامين، أعيش على فتات مساعدات من هنا وهناك. لا أملك المال ولا العمل ولا المسكن، وأعاني من ضيق في التنفّس. أريد العودة فقط".
وفي خضمّ المعاناة الإنسانية هذه، وقع أحد هؤلاء العمّال السودانيّين ضحية انفجار مرفأ بيروت، وتعرّض لكسورٍ في قدمه، جعلته يمشي متكئاً على عصا. 
 
سنة كاملة في العراء
 
أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لم يغادر لاجئون أفارقة الأرصفة منذ نحو عام، بينهم 3 أطفال، "في حين تتواصل عمليّة إغلاق الملفّات بدلاً من الوصول إلى حلّ إنساني عادل يرأف بحالتنا"، كما تقول إحدى اللاجئات السودانيّات لـ"العربي الجديد". تضيف: "سنة كاملة ونحن ننام في العراء، بكلّ ما يحمله الشارع من مخاطر وأمراض وانعدام النظافة الشخصية والأمطار، ناهيك عن الذل اليومي الذي نختبره. كيف لنا أن نفكّر بفيروس كورونا ونشتري الكمّامات ووسائل التعقيم، ونحن نعيش على ما يقدّمه لنا فاعلو الخير من طعامٍ وشرابٍ وملابس وبطانيّات؟ هل نحن على قيد الحياة أصلاً والمفوضية غافلة عنّا وعن حقوقنا وكرامتنا الإنسانيّة؟".
أمّا شقيقتها، وهي أم لطفلين أحدهما يعاني من الربو ولم يتجاوز السنتين ونصف السنة من العمر، فتقول: "نعاني الأمرّين، حتّى أنّ ابني نقلته فرق الإسعاف قبل فترة إلى المستشفى بعد إصابته بنوبة ربو. نحن محرومون من العيش الكريم والظروف اللائقة".
لاجئون سودانيون في لبنان (حسين بيضون)
 
في هذا السياق، تقول لاجئة إثيوبية متزوّجة من لاجئ صومالي، إنّ ملف زوجها عالق في المفوضية منذ 20 عاماً. "أنام وابني البالغ من العمر 5 سنوات في الشارع منذ سنة، بعدما طردنا صاحب البيت. كنّا لنموت جوعاً لولا مساعدة بعض الخيّرين. أمّا زوجي، فيدور في الشوارع باحثاً عن بقايا طعام، بعدما كان يحمّل البضائع وغيرها قبل أن يتأزم الوضع". وتناشد المفوضية ترحيلها وعائلتها إلى بلدٍ ثالث يكفل مستقبلاً آمناً لابنها الوحيد ويؤمّن له التعليم كغيره من الأطفال. أما الابن، فيختزل معاناة والدته قائلاً: "يا ريت عنّا بيت".
 
ومنذ نحو أربعة أشهر، انضمّت إلى اللاجئين الأفارقة لاجئة أردنية تشكو من أمراض في الكلى، بعدما توقّفت المفوضية عن مساعدتها. وتقول: "بعد تعرّضي للتعذيب والإساءة في إحدى المؤسّسات، تركت الأردن ولجأت إلى مصر حيث تزوّجتُ من لاجئ سوري مقيم هناك، قبل أن أتعرّض من جديد للتعنيف والضرب من قبله، ما دفعني للجوء للبنان، وولدت ابنتي بعد أشهرٍ قليلة". تتابع: "توقّفت المفوضية عام 2017 عن دعمي ومساندتي، ما اضطرّني إلى العمل واستئجار منزل، قبل أن أفقد العمل وأتعرّض للضرب والطرد من قبل صاحب البيت. وها أنا اليوم في الشارع، والسفارة الأردنية لا تنظر بحالي كوني أملك ملفاً لدى المفوضية"، على حد قولها.