أشارت صحيفة "لو موند" الفرنسية أخيراً إلى وجود لاجئين سوريين "لم يلتفت إليهم أحد" على حدود العاصمة باريس، في منطقة سانتوَن غير بعيد عن مستشفى بيشا الشهير. وبعدها، أشارت صحيفة "لو كنار آنشينيه" الساخرة إلى هؤلاء بأنهم "سوريّون منسيّون".
للاطلاع على الوضع، توجّهت "العربي الجديد" إلى المكان، لتلتقي مجموعة من الشبان بالقرب من خيمتين صغيرتين، في حين كانت النساء والأطفال في استضافة أُسر مغاربية، لاعتبارات إنسانية ودينية، من أجل الاغتسال والاستراحة لبعض الوقت.
وسيم واحد من هؤلاء، يقول: "نحن متواجدون هنا منذ شهور عدّة. أنا منذ سبعة أشهر، وآخرون منذ فترة أطول. بعضنا غادر إلى بلجيكا وآخرون إلى مدينة لِيل (شمال فرنسا)، على أمل الوصول إلى بريطانيا". وعند سؤاله عن كيفيّة بقائهم متخفين أو الإفلات من قبضة الأمن، يجيب: "رجال الشرطة يطاردوننا ليل نهار. كم من مرة أفرغوا خيامنا، وكم من مرة سمعوا صرخات طفلَيّ (أحدهما وُلِدَ في المغرب) المذعورة. كنت أقول في نفسي: ربما صرخات الصغار ستجعلهم يترددون قبل الهجوم علينا. لكنهم، بالرغم من ذلك، طالبوني بإفراغ الخيمة الصغيرة، في عز الشتاء والبرد. وخرجنا إلى العراء".
يضيف: "الكل يعرف بوجودنا. أنا شخصياً، تقدّمتُ بطلب للحصول على إقامة أو لجوء منذ سبعة أشهر. وحتى الساعة، لم أتلقّ أي جواب". وماذا عن المساعدات الإنسانية؟ يجيب وسيم أن "بعض المنظمات الإغاثية الفرنسية الصغيرة تقدّم لنا الأكل وبعض المساعدات المالية. كذلك، تقدّم بعض الجمعيات العربية والإسلامية مساعدات غذائية. وحتى أكون صريحاً، هو طعام لا يُؤكل. وتقدّم لنا أيضاً ملابس ومساعدات مالية لشراء ضروريات أبنائنا". ويلفت إلى أن "هذه المنظمات لا تكلّف نفسها عناء السؤال عن أحوالنا، كأنهم يخافون".
ويوضح وسيم أنه "حين تتوفر لدينا بعض الإمكانيات المالية، نرسل نساءنا وأبناءنا إلى فنادق، حتى يأخذوا قسطاً من الراحة. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن بعض موظفي الفنادق يرفضون تأجير غرف لنا نحن الرجال، ما إن يطّلعوا على جوازات سفرنا أو بعض أوراقنا".
تجدر الإشارة إلى أن كثيرين من أمثال وسيم راحوا يطرقون أبواباً كثيرة طلباً للمساعدة، منها أبواب المساجد وبعض المنظمات الفرنسية. ربما يجعل ذلك محامي المنظمات يدفعون بالسلطات إلى التعجيل في معالجة أمور هؤلاء السوريين ومنحهم اللجوء.
اقرأ أيضاً: "شوربة للجميع" في باريس
في مكان تجمّع هؤلاء اللاجئين، إلى جانب وسيم، كان أربعة شبان يستطيع كل واحد منهم أن يقصّ رحلته الطويلة من سورية وحتى وصوله إلى هذا الجسر الفرنسي ليستقروا تحته. جمال واحد من هؤلاء الأربعة، أصيب في قدمه ولا يستطيع المشي إلا بواسطة عصا. هو خرج من البلاد إلى تركيا ومنها إلى مصر في باخرة، "حين كانت ترحب بنا" في أيام الثورة. من ثم، انتقل إلى الجزائر، ومنها إلى شمال المغرب، ليقطع بعدها مدينة مليلية (المغربية التي تحتلها إسبانيا) ومن ثم مالقة ويبلغ باريس.
يقول جمال: "لديّ ولدان ونحتاج إلى طبيب. في رمضان مثلاً، كنا هنا نحو 150 عائلة. كنا شيوخاً وأطفالاً ونساءً في خيم من دون مراحيض، وكانت تأتي البلدية وتأمرنا بالبقاء هنا". يضيف أن "السكن من الأمور المستعجلة. لكن شيئاً لم يُنجَز في هذا المجال. نطلب مواعيد لتأمين سكن لنا، لكن الموعد الأقرب لا يأتي إلا بعد انتظار أربعة أشهر".
من جهته، يخبر أحمد أنه عَبر إلى تركيا قبل أن ينتقل إلى مصر، على متن باخرة أيضاً. يقول: "ظللتُ في مصر، وتحديداً في مدينة كفر الشيخ (شمال مصر) لمدة ستة أشهر، قبل أن أتوجّه إلى الجزائر وأمكث فيها سنة كاملة. في خلال تلك الفترة، كنت أعاني من إصابتي في رجلي، في الحرب. بعدها، هرّبوني إلى المغرب وكان الأمر سهلاً، ومن ثم توجهت إلى مدينة الناظور حيث بقيت فيها ستة أشهر قبل أن أتسلل إلى مليلية. رحّلتني السلطات الإسبانية إلى مدينة مالقة، بعد قضاء شهرين في مليلية، قبل أن أصل إلى باريس، في عيد الأضحى الماضي". يشير أحمد إلى أنه "منذ ذلك الحين تقدّمت بطلب لجوء، وما زلت أنتظر". ويشدّد على "ضرورة أن يعلم الجميع أن مشكلتنا المركزية هي السكن. لا أريد أن يقول أبنائي غداً: نمنا في العراء وفي الحدائق في بلد عظيم كفرنسا".
هنا، نحن أمام وطن سوريّ مصغَّر في خيمة. هنا، كلّ واحد من هؤلاء قدم من منطقة ومن إقليم سوري مختلف، بعدما طالت الحرب كلّ شبر من البلاد واكتوى من نيرانها كل مواطن سوريّ. وليد عبد الله، من اللاذقية، مثلاً، يروي: "دخلتُ لبنان ومنه سافرت إلى تونس ومن ثم الجزائر فالمغرب، وبعدها مليلية قبل أن أبلغ فرنسا". ويحكي كيف أن السلطات الإسبانية تبقيهم ستة أشهر في مليلية من أجل المعاينة الصحية، ثم تعرض عليهم اللجوء أو المغادرة إلى بلد آخر". ويشير إلى أن أكثر الموجودين في المخيّم اليوم قدّموا طلبات لجوء في فرنسا. لكن الوضع تغيَّر، إذ أصبح لزاماً على المهاجر أن يطلب اللجوء في أول بلد أوروبي تطأه قدماه.
هؤلاء السوريون يريدون أن يستمع أحد إليهم. هم يشعرون بالعزلة، إذ يكتشفون هنا عرباً ومسلمين مختلفين عن عرب ومسلمي البلدان العربية. يقول جمال: "طلباتنا ليست تعجيزية. نحن مسالمون. نريد سكناً لائقاً لأبنائنا ونسائنا. وصدّقني، لو أن الثورة تنتصر غداً، لن أتردد في العودة إلى بلادي". يضيف: "أحب فرنسا، وخلافاً لكثيرين من إخواني وأبناء بلدي، لا أريد الانتقال إلى بلد آخر". لكنه يردف: "كنت أتصوّر فرنسا أكثر إنسانية!".
ويستأذننا جمال، إذ هو بحاجة إلى البحث عن مرحاض. للأسف، هذا أحد أسوأ ما يعانيه هؤلاء السوريون. وقد عبّرت صحافية فرنسية من إذاعة فرنسا الدولية، عن سخطها إزاء ذلك، قالت: "الشروط الصحية.. لا يمكن أن يتخيّلها من يأتي إلى هنا. لا ماء ولا مراحيض. لا شيء، بالرغم من أننا في فرنسا".
اقرأ أيضاً: عرب فرنسا يسجّلون أبناءهم في مدارس كاثوليكيّة