لاجئون سوريون خارج المخيمات التركية... صراع بقاء

29 يونيو 2014
مساكن لاجئين سوريين في تركيا (الأناضول)
+ الخط -


يعيش عدد كبير من اللاجئين السوريين في تسعة مخيمات يتوزع معظمها في المدن التركية الجنوبية، حيث كانت تركيا من أوائل الدول التي فتحت حدودها للاجئين السوريين، الهاربين من بطش النظام.

بموازاة ازدحام تلك المخيمات باللاجئين، يقيم عدد كبير أيضاً منهم خارجها، موزعين على مدن عدة، وهو ما أغفلته وكالة الأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين التي ركزت اهتمامها فقط بمن يقيمون داخل المخيمات، رغم أن مكتب هيئة دعم اللاجئين خارج المخيمات قدر عدد من يقيم خارج المخيمات التركية من اللاجئين، بنسبة 65 بالمئة.

ويتوزع هؤلاء اللاجئون على مدن بينها غازي عنتاب، وإزمير، ومرسين، وأورفة، واسطنبول، حيث يعيش بعضهم في مساكن عشوائية صغيرة، يتشارك فيها، على الأقل، سبعة أشخاص، سواء من عائلة واحدة أو أكثر.

وينتمي "لاجئو المدن" لشرائح اجتماعية مختلفة، إذ بينهم الفقراء وذوو الدخل المحدود، بالإضافة إلى قلة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال، ولكن معظمهم من الطبقة الوسطى في المجتمع السوري.

أما أسباب عدم إقامة هؤلاء اللاجئين في المخيمات، فيردها البعض إلى عدم كفاية ما يقدم لهم من مستلزمات المعيشة، وصعوبة التنقل من وإلى المخيم، بالإضافة نزوع البعض للبحث عن عمل، الأمر الذي لا توفره المخيمات. كما تحرك آخرين دوافع أخرى للإقامة خارج المخيمات، كوجود عائلة أو أقارب أو معارف، وربما التفكير في تقديم طلبات الهجرة واللجوء إلى الدول الأجنبية.

في مدينة غازي عنتاب الحدودية، يعيش عدد كبير من السوريين في أحياء بعينها، وخصوصاً في المناطق الشعبية، حيث تكون أجور المنازل أقل. فعدا التشابه الكبير بين حلب وغازي عنتاب، أصبحت هذه الأحياء تتميز بطابع سوري خاص يختلف عن باقي أحياء الأتراك.

بيوت السوريين في غازي عنتاب أشبه بما يطلق عليه في عالم العقارات "استديوهات" صغيرة بغرفة أو غرفتين على الأكثر، وتتنوع جودة الخدمات في البيوت كالماء والكهرباء والهاتف حسب كل حي.

أما في مدينة إسطنبول، وفي حي تارلاباسي الذي يقع في قلب المدينة الكبيرة، فتقطن العديد من العائلات السورية في مبان تحوي شققاً صغيرة غالباً، شبه مهجورة.

وغيّر تدفق هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين، وجه العديد من الأحياء داخل تركيا، إذ يبدو أن أغلب السوريين اختاروا العيش بعيداً عن تأثيرات المجتمع التركي. ففي غازي عنتاب يعيش سكان (شارع السوريين) حياتهم وكأنهم جزء من هذه المدينة. فالمظهر العام للمطاعم والأفران الصغيرة، وروائح الحلويات وزحمة الزبائن، وواجهات المحال، التي تغطيها لافتات بالعربية، أضفت على الشارع روحاً سورية.

المشهد ذاته تجده في حي (أكساراي) في اسطنبول المزدحم بالمحال والمطاعم ووكالات السفر التي يديرها سوريون. هذا الأمر جعل احتكاك السوريين بعضهم ببعض، أكثر من الاحتكاك والتعايش مع الأتراك، بمعنى أنهم خلقوا مجتمعاً صغيراً خاصاً بهم بنكهة سورية خالصة.

رغم ذلك، فإن أكبر ما يواجه اللاجئين السوريين في تركيا، هو ارتفاع تكاليف المعيشة، وصعوبة إيجاد عمل يساعدهم على تأمين احتياجاتهم. فعدم إتقان الغالبية منهم للغة التركية، وكثرة أعدادهم، من أهم الأسباب التي تعيق إيجاد فرص عمل لهم، وحتى إذا وجدت فرص العمل للبعض فإن الأجور تكون زهيدة جداً، إذ تكاد لا تكفي إيجار منزل، وبعض متطلبات العيش الكريم.

وانخفضت أجور العمال في تركيا بشكل لافت، جراء زيادة الطلب على العمل، من العمال السوريين، في مهن مثل البناء والنسيج والصناعات الثقيلة والزراعة، وسجلت معدلات هذا الانخفاض اليومية تراجعاً بحسب نوع العمالة، من 60 ليرة تركية، (نحو 28 دولاراً)، قبل قدوم اللاجئين السوريين، إلى 20 ليرة فقط، عدا ساعات العمل الطويلة.

لاجئون سوريون في تركيا (الأناضول) 

(عمر)، شاب سوري من حلب في الـ 28 من عمره، قدم من مدينته إلى تركيا منذ نحو سنتين، يشرح لـ"العربي الجديد" ظروف معيشته، بعد أن قرر ترك المخيم الذي كان يقيم فيه فيقول: "منذ خروجي من المخيم عملت في مهن كثيرة، كالنجارة والبناء وغيرها، رغم أنني كنت أعمل في مجال تصميم الجرافيك، ولكن مع ازدياد عدد السوريين تقلصت فرص العمل وانخفضت الأجور، وذلك في موازاة ارتفاع كبير في إيجار المساكن".

يؤكد عمر أن إقامته لمدة سنتين في تركيا، "لم تخلق لديه حالة تعايش مع المجتمع التركي، وخصوصاً مع أرباب العمل الاتراك"، يضيف، "ألاحظ أن السوريين يحرصون على إيجاد فرص عمل لهم بعيداً عن الاتراك، وغالباً ما يحاولون البحث عن أعمال مشتركة مع مواطنيهم، ولا شك أن لهذا الأمر انعكاساً اجتماعياً يتمثل في رفضهم الاندماج في المجتمع التركي".

وأوضح أن العامل "المذهبي له دور مهم في تركيا يؤدي إلى تجنب اللاجئين السوريين، ومعظمهم من السنًة، الإقامة في مناطق تركية ذات مذهب مختلف، وذلك تجنباً للحساسيات".

أما الشاب لؤي، من مدينة إدلب، والذي يقيم في غازي عنتاب، فيقول إن الأحداث في سورية منعته من إنهاء دراسته في كلية العلوم. يوضح لؤي طبيعة لجوئه في تركيا قائلاً: "منذ قدومي إلى هنا رفضت الإقامة في المخيمات لأني أطمح في إيجاد عمل أدّخر منه بعض المال يمكنني من الهجرة إلى بلد أوروبي، ولكني صدمت بظروف العمل هنا. فالمطلوب منا كسوريين أن نعمل 12 ساعة أو أكثر في مهن تتطلب جهداً عضلياً كبيراً، مقابل 25 ليرة تركية في اليوم، يذهب ربعها أجرة مواصلات فقط".

لا شك أن تدفق اللاجئين السوريين بهذه الكثافة على تركيا، خلال السنوات الثلاث الماضية، أفرز عدداً من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، لتركيا أولاً، وثانياً لهؤلاء السوريين الذين فرّوا من ويلات الحرب والقتل والدمار في بلادهم، لتنتظرهم، "ويلات" البحث عن مستقر، وعن عيش كريم، ولو بشكل مؤقت.