لأن السماء كانت ثكلى بغيمها

24 ديسمبر 2016
(الشاعر)
+ الخط -

أكثر من القمر

لستِ تطلبين أكثر من القمر
وأنت تسندين رأسك في غبش المساء
ثم تنضمّين إلى مشهد النافذة.
بالنسبة إليّ
تأتين مكلَّلةً بغيوم بيضاء،
غلالاتٍ كالأجنحة، افترت شفتاك
قليلاً،
ولم تند الشفتان بكلمات
إنما بأريجٍ يذكّرني
بالليلك
في ذلك الصباح الذي التهمته أعيننا،
حتى لم أجد للنوم سبيلا
في ذلك الكوخ المقفر،
هناك تجمحُ الأغطية، وتنتفخ
في غيابك.

***


حَوَلٌ...

أمراكب، رياح وأشرعة؟
موسيقى في الروح الجرداء؟
نساء بخصور حارّة، وأثداء مالحة؟
الناسُ يموتون، بل يموتون بطرق متشابهة،
والخوف يعتمل في قلوبهم الكسيرة،
تماماً، كما تخمدُ ضرطةٌ داخلَ كرشٍ،
ضرطة كريهة الرائحة، متعفّنة، واهنة.

الشاعر؟! شاعر؟
أعدَسٌ ذابلٌ يتاخمُ المشاهدَ القصيّة؟
مزمارُ قِربةٍ من أغنياتٍ وأنخابِ الشُعْثِ؟
لا تحتسِ خلاصةَ ذهني الرّثِّ عندما يقولون لك
إن بيوض الطيور ستفقس في آثار أقدامي.
هناك لن تنبت شجرتان من فردتيّ حذائي.
لستُ أمتلك جناحين أو روحاً،
وفي نيّتي أن أعيش متبلِّدَ الحسِّ،
ومتبلِّداً أموتُ،
دون لافتة مكتوبة،
مطبَقَ البؤس وقد تأكّلتني ديدانُ الشك والدونية.

عمايَ المقدس ذلك الذي يُعِيْنُني على حوَلِك الغريب!
عيناي المتصالبتان تتبيّنان الحوَلَ!
تصدّعتْ عيناي
لمرأى طيور الورق،
التي أطلقتَها في السماء الصافية، بلا كلمات.
ضلّلتَني وسُقتَني إلى الظنّ أن الأنهارَ أذرعٌ للعناق،
وأنا سلّمتُ بأن السهولَ ملاءاتُ بِشْرٍ ورقيةٌ،
أنت خلّلْتَ الجبال للخصيانِ عبيدِ المخيّلة،
استخلصتَ اللونَ من البحار وأنعمتَ عليَّ بها
في اليوم العالميّ للتبرّع بالبحر،
ومِنَ الحَبيبات، اللواتي كسوتَهن بكلمات من أوراق الأشجار،
يأتي ذلك الخريفُ في الربيع!

اقتلعْ هاتين العينين!
انتزعهما من جوفيهما كأنهما قديسان مزيّفان!
لن تكون حياتك أفضل مع الحوَل،
لكنك ستتحرر من رسوخك بالأرض في رحلة الحياة.
حتى أني سأدّخِرُ توبةَ قوسيّ قزح
للدربِ الرثيثِ حيث لن أكون دليلَك،
سأهيمُ في السماء:
دعْ لخصومي من الجهة المقابلة
أن يكون لهم جسرٌ يصلوني عبره،
أحتاجه لكي أعتذرَ عن حَوَلي
وعن عدم اصطحابهم كرفقةٍ لي في السماء.

***


يهوذا

ألقيتَ بثيابك البيضاء في الهواء
لأن السماء كانت ثكلى بغيمها،
وكان التفاح حامضاً وكنتُ وحيداً
لـمّا قال النذيرُ: انهض،
امشِ، ولم تعِ
أنه فصلٌ جديد، عصر جديد كان يبزغ،
حين كان ثمة شيء يتداعى في وجودك
وكانت تسكنك شهوة ورغبة
لأن تخون:
عينيك
زوجتك،
نفسَك،
أبناءك،
أصدقاءك،
حياتك
لأجلِ آخرَ،
إذ أن يوماً سيأتي بروحٍ خاوية
وأنت مُنتَبَذٌ مع رغبتك
بأن تخون:
نفسَكَ،

الحياةَ التي تُمنح كصدَقة.


* Arian Leka شاعر وروائي ألباني من مواليد 1966. ينتمي إلى مجموعة الكتّاب والشعراء التي ظهرت في المشهد الأدبي بعد فتح الحدود الألبانية عام 1990، حيث شهدت الثقافة تغيّراً دراميتيكاً حينها، ويمكن اعتباره من "الطلائعيين" في الأدب الألباني. 

* ترجمة: أحمد م. أحمد

المساهمون