لأنه في النهاية نسيان

22 سبتمبر 2016
(تصوير: خوان إستيبان خارامي)
+ الخط -

انتظار الموت
لسنوات لم يكن له عنوان،
فقط ما كان يدفعه رغبة غريبة في أن يحوّله كل شيء ويربكه.
الوقت الذي يحياه، وذلك الذي قضاه،
ملجأ القتلة الفاخر هذا
يلفّه ببؤس ورعب وآلام.
على جانبه قلوب مسوَّرة
تسير دون أن تترك له شيئاً
لمسة لون يائسة
أو صوتاً مذاباً في ضجة أصوات أخرى،
أو رسماً لمنديل ساقط،
أو سكيناً مليئا بالشقوق (متّسخاً وغير صالح للاستخدام)
أو طابع بريد لرسالة لم تُكتب أبداً.

عاش لسنوات دون عناوين،
لم توقفه المسيرة أبداً،
يتعثّر في كل خطوة،
مفسداً القصة الحميمية
مع تلعثم ثمل
وأعذار حمقاء وبهجة تافهة.
يبدو أن قدره أن يجري مع النسيم
لكن النسيم يتوقّف الآن في شعره،
مذكِّراً إيّاه بالإقامة القصيرة تحت السماء،
بالمواعيد وبالزخم المفقود.
لكن نهاية الكون تخلو من العظمة،
فقط هبوط بائس مظلم،
خوف في العينين،
لتنهّدات تنحبس في الحلق
فيعرف أنه جبانٌ في الحقيقة.
لماذا لم يعطه أحد فلساً، عملة فضية لمراكبيّ متعب،
مقابل أن يبحر دون أن يلتفت إلى الخلف؟


الفصل ليس خريفاً

"لا يوجد بيت شعر
مهما كان تافهاً
إلّا و يطمح للأعالي: لنجمة
أو لمنارة تضيء كائن
الكلمة".
إوخينيو دي أندرادي


بدأت تتساقط الأوراق، وربّما لم تكن تسقط أبداً،
كانت القلوب ترغب في العمل من جديد،
كانت تبحث عن نعمة ثابتة محصورة،
لا تُمنح في الأماكن العامة،
نعمة صامتة.

وكان الوقت كرةً من ورق،
طريقة متعبة للقول إننا أحياء،
مسجونون في الصوت الذي كان يقول:
"انهص!"
وكانت أيادينا تسترخي في الهواء.

البحث بطيء ومحيّر ومظلم،

وحجر الفلاسفة لن يظهر.
تذبل الرغبات في فناء أشجار البرتقال.
لكن وجوهاً ودودة في بعض الأحيان، تسعف الموقف ولو لدقيقة.

الغيوم تبارك المساءات/ المساءات الصامتة.
إنه يوم طريقة بطيئة لأقول:
"أحبك"..
ثمّة حبرٌ يلطّخ الأكواع والسماء تبتعد.
وصوتٌ هامس يتردّد في الزقاق:

"يسقط المطر ويعرف اسمك.. يسقط المطر الذي داعبتك قطراته قبل موسمه".


نَدين للفجر
خيانة الكلمات،
مقايضة وزنها ولونها،
في سوق الأيام الدنيء
سيملآننا بالموت
والبخور ورغبة غامضة.
سيتوجّب عقابنا
بالحديد، بالوحدة،
بالضجر والبؤس.
ندين للفجر،
لبائعي الفضَّة، للنعيم،
للنشيد، للتجديف
للحلم المعقود في حلوقنا
ولصباحات دون نسائم
في شواطئ البحر الذي لم يعد نفسه.
لأنه في النهاية نسيان
للذي يمنح الصخب لدمه،
لثرثرة "لمن تُدق الأجراس"
والمحادثات مع الحمقى
والباعة المتجوّلين
ويرتكب آثاماً في العراء
بالكلمات
الصغيرة
الفظيعة الرقيقة
والماكرة.


* Juan Felipe Robledo شاعر كولومبي من مواليد ميديين عام 1968. درس الأدب في "جامعة هافيريانا" في بوغوتا، التي يعمل حالياً مدرّساً فيها. من دواوينه: "موسيقى الساعات" و"من الغد".

** ترجمة غدير أبو سنينة وينشر بالتعاون مع "إلكترون حر".

المساهمون