كُتِبَت عليكَ السّياسة

17 يوليو 2015
+ الخط -
ولِد بعضهم في هذه المناطق العربيّة، مناطِق تتناولها الشّعوب الأخرى وجبة غذاء كلّما جاعت، وبعض المناطق الأخرى يتنازع أهلها، فتبيتُ كالزّوج الذي يسكن بيته زوجتاه، كلّ واحدة خطر على الثّانية، وكلّ واحِدة أحقّ من الأخرى بالمَكان.
عُمري ربع قرن، وقد شهدتُ انهيار دول وأقوام، في شَتات ونزوح وخيام. رأيت دماء أكثر مما نرى عادة في الأفلام. أنا متأكّدة أنّ المخرج جيمس وين اصطنع موتاً كثيراً في أفلامه، فقط بالنّظر عبر شاشات الأخبار إلى شرقنا الأوسط، فرسمنا له سيناريو حقّق له الملايين، وعندنا بقيت الجثامين.
نرى أنّه لا حقّ لنا أن نعيش يوماً واحِداً بسعادة أنانيّة، متناسين كلّ ما يحيط بِنا من آلام العِراق وفلسطين وسوريّة ولبنان ومِصر وتونس واليمن وليبيا. ولدنا وقَد حُكِمَ علينا بـ"السّياسة"، فإمّا أنّك سياسيّ، أو أنّك غير عربيّ.
جنسيّاتنا حدّدت لنا تخصّصاتنا الحياتيّة التي تبدأ محاضراتها فور ولادتنا. فالدّروس الأولى تكون أمام التّلفاز، يركضون بين الدّخان، هناك منازل مهدّمة، هل هذا زلزال؟ أم احتلال؟
أمّا المحاضرة الثّانية فتكون في صالون المنزل، بين الخال والجدّ، نقاش يظهر أنّه سَتُحلّ القضيّة ما أتمم خالي فنجان قهوته. أمّا الثّالثة، فتبدأ عندما نتوشّح بالسّواد في يوم النّكبة، فنضطر خفية إلى البحث عن معلومات عنها، حتّى إذ سُألنا "ماذا تلبسون؟"، سردنا له تاريخنا الأسود بثقة.
المحاضرة الرّابعة فهي أيّام الجُمعة متكرّرة، ما أن انتهى الشّيخ من الدّرس، إلا وبدأ دعاؤه. والآن، يجدر بي البُكاء، لأكون جزءاً مندمجا مع باقي الأجساد الباكية من حولي، فكيف لا أبكي عندما يدعونا إلى الصّلاة لفلسطين؟ أو لأطفال سوريّة؟ أو للشّهداء؟ عليّ البَكاء، فجنسيّتي عربيّة!
أمّا المحاضرة الخامسة فتكون في الجامعة. كُتِبَ عليكَ حِزب، إن لم تنتم فأنت خائن، وإن انتميت فأنت خائن للشّعب بنسبة 50%، أمّا للوطن دعني أخبرك.. فأنت خائن 100%.
قبل انتقالنا إلى المحاضرة السّادسة، والتي نقدّم فيها نحن لأبنائنا عناوين محاضراتهم الحياتيّة القادمة، علينا أن نعود خطوة للوراء ونفكّر، هل نريد فِعلاً أن نورّث هذه الجنسيّات لأبنائنا؟ هل نريد، فِعلاً، ألا يشاهدوا سوى الدّماء؟ وأن يُكتَبَ عليهم الشّقاء؟
ومرّت أعوام، كنتُ أتمنّى لو تناسيتُ رقم قناة الأخبار، وحرمت ابنتي من الجلوس بين أهلها من الرّجال، وأضعتُ قميصها الأسود، وأخبرتها أنّ صلاة المرأة في بيتها أفضل، ويا ليت لو وجدتُ لها في بلاد ما بعد البِحار جامعة تُؤويها.
ولكن، الآن ليس بيدي سوى أن أخبرها قبل أن تخرج "إذا أطلقوا عليكم الرّصاص الحيّ، يا ابنتي، فاختبئي، فالوطن قد اكتفى من الأموات.. الوطن يا ابنتي يحتاج لأحياء".
A1291985-B5FB-4524-9E8F-4C9562143990
A1291985-B5FB-4524-9E8F-4C9562143990
آلاء حمدان (فلسطين)
آلاء حمدان (فلسطين)